المسيحية

الفصل السادس



الفصل السادس

الفصل
السادس

منطق
القرآن

بما
ان الرسول لم تكن له معجزات مثل موسى او عيسى، فقد حاول اقناع عرب الجاهلية
بالمنطق، ولكن منطق القرآن لا يستقيم والمنطق المعروف لدينا الآن. فاذا اخذنا
مثلاً سورة الكهف، الآية 22، عندما سأل اهل مكة النبي عن عدد اهل الكهف: ”
سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب ويقولون سبعة
وثامنهم كلبهم قل ربي اعلم بعدتهم”. فأي منطق هذا لاقناع الناس بان القٌرآن
من عند الله. هم كانوا يعلمون ان الله اعلم ولذلك سألوا النبي ان يخبرهم بعدد اهل
الكهف، ولكن بدلاً من الاجابة المباشرة بعددهم، يخبرنا القرآن ما قال الناس عن
عددهم، ويخبرنا أن كل هذا القول تخمين. فلماذا إذاً لا يخبرنا هو بالعدد الحقيقي
حتى لا يكون هناك داعي للتخمين؟

 

واخرج
ابن ابي حاتم عن ابن عباس قال: أتت أمرأة النبي فقالت: يا نبي الله، للذكر مثل حظ
الانثيين، وشهادة امرأتين برجل، أفنحن في العمل كذا، ان عملت المرأة حسنةً، كُتبت
لها نصف حسنة؟ فكان رد النبي بالآية 32 من سورة النساء: ” ولا تتمنوا ما فضل
الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسالوا
الله من فضله ان الله كان بكل شئ عليماً”. فأين الجواب على سؤال المرأة ان
كان سيكتب لها نصف حسنة ام حسنة كاملة. كل ما أخبرها به القرآن هو ألا تتمنى ما
فضل الله به الرجال على النساء. وهذا هو شأن القرآن في كل الاسئلة التي وُجهت
للرسول.

 

 فمثلاً
لما سألوه عن الروح، أجاب: ” يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي”.
وفي الآية 189 من سورة البقرة: ” يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس
والحج”. وهذه هي نفس الفكرة التي عبرت عنها التوراة: ” وقال الله: لتكن
نيراتٌ في جَلد السماء بين النهار والليل وتكون علاماتٍ للمواسم وألايام
والسنين” وعرب الجاهلية كانوا يعرفون ان الاهلة مواقيت للحج وكانوا يعرفون
بها الاشهر الحرم وغيرها، وكذلك كان يهود مكة على علم أن الاهلة مواقيتٌ للناس،
ولكنهم سألوا النبي ليشرح لهم كيف يكون القمر هلالاً ثم يكبر ويصير قمراً. ولكنه
لم يكن يدري، فأخبرهم بانها مواقيت للناس.

 

وان
نظرنا ماذا قال الله لزكريا لما طلب منه معجزة ليريها قومه عندما علم أن أمرأته
ستلد له ولداً وهو رجلٌ كهل وأمرأته كانت عاقراً: ” قال رب اجعل لي آيةً قال
آيتك الا تكلم الناس ثلاث ليالٍ سوياً”. فهل اذا رفض زكريا ان يكلم الناس
ثلاث ليالي تكون هذه معجزة؟

وفي
نفس سورة مريم، الآية 26، قال لمريم: ” فكلي واشربي وقري عيناً فإما ترين من
البشر احداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن اكلم اليوم انسياً”. فكون مريم
نذرت الا تكلم انساناً في ذلك اليوم، لن يُقنع احداً انها حبلت بعيسى من دون ان
يمسسها بشر، وكان الاولى بها ان تكلمهم وتحاول شرح الحمل لهم بدل ان تصوم عن
الكلام. والشئ الغريب ان الله امرها اذا رأت من البشر احداً ان تقول له اني نذرت
للرحمن الا أكلم اليوم انسياً. وبديهي اذا قالت كل هذه الجملة الطويلة لكل من
قابلها من البشر، تكون قد كلمتهم طوال اليوم وبطل نذرها.

 

وفي
سورة البقرة، الآية 258، عندما تجادل الملك النمرود بن كوش مع ابراهيم: ” ألم
تر الى الذي حاج ابراهيم في ربه ان آتاه الله الملك اذ قال ابراهيم ربي الذي يحيي
ويميت قال انا احيي واميت قال ابراهيم فان الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من
المغرب فبُهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين”. وهذا طبعاً ابسط انواع
المنطق، واسهله في قلب الامور رأساً علي عقب. فبدل ان يُبهت النمرود كان ممكناً
وبكل سهولة ان يقول لابراهيم: بل اجعل ربك يأتي بالشمس من المغرب وسأتي أنا بها من
المشرق مرةً أخرى. وطبعاً في هذه الحالة كان ابراهيم سيكون الذي بُهت.

 

وفي
سورة هود، الآية 46 عندما رفض ابن نوح الركوب معه في السفينة: ” قال يا نوح
انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم”. فقال له نوح
في الاية اللاحقة: ” قال رب اني اعوذ بك ان اسالك ما ليس لي به علم”.
وطبعاً الانسان دائماً يسأل عما ليس له به علم. فلو كان له به علم لصار السوال
اضاعة للوقت والجهد.

 

ولما
طلب اهل مكة من النبي ان ينزل لهم معجزةً، اجابهم الله في سورة الاسراء، الآية 59:
” وما منعنا ان نرسل الآيات الا ان كذب بها الاولون”. وألآيات هنا تعني
المعجزات. فرفض الله ان ينزل على محمد معجزة لان الاولين كذبوا بها. فدعنا نستعرض
بعض هذه المعجزات. فلنبتدئ بداود الذي سخر له الحديد وسخر له الريح وجعل الجبال
تؤب اي تسبّح معه، فكذبه قومه. ثم، كما يٌخبرنا القرآن، ارسل الله من بعد داود
ابنه سليمان وعلمه لغة الطير وسخر له الجن والريح والحيوانات كلها واعطاه مالاً
وحكماً عظيماً. وكذبه قومه. ثم اخرج لثمود ناقةً من الصخر، فلم يصدقوا نبيهم
وعقروا الناقة. وبعد فترة ارسل الله موسى واعطاه بدل معجزة واحدة تسع معجزات حسب
الآية 101 في سورة الاسراء: ” ولقد آتينا موسى تسع آياتٍ بيناتٍ “. ولم
يؤمن بنو اسرائيل، ولكن لم يمنع هذا الله من انزال المعجزات على عيسى، فجعله يكلم
الناس في المهد، ويحيي الموتى، ويشفي المرضى، وانزل له المن والسلوى من السماء.
فاذا كان كل هولاء الانبياء طلبوا المعجزات واعطاهم اياها الله رغم ان الذين قبلهم
قد كذبوا بها، لماذا منع آخر نبي من المعجزات لان الذين سبقوا كذبوا بها؟ والجواب
طبعاً أنه ما كان في مقدور محمد أن ينزل لهم مائدةً من السماء او يًحيي لهم موتاهم
فقال لهم ان الله لم ينزل لهم معجزات لان الذين سبقوهم كذبوا بها.

 

 وسورة
الزخرف الآية 33 تقول: ” ولولا ان يكون الناس امةً واحدة لجعلنا لمن يكفر
بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون، ولبيوتهم ابواباً وسرراً عليها
يتكون، وزخرفاً وان كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والاخرة عند ربك للمتقين”.
ومعنى هذه الايات هو لولا ان يخاف الله ان يصير كل الناس كفاراً لجعل للكافرين
ابواباً وسقوفاً ودرجاً لبيوتهم من الفضة ولزخرفها لهم بالذهب ليريهم ان كل هذا
جزء يسير من خيرات الاخرة. ولو اخذنا في الاعتبار ان هذه السورة نزلت بمكة لما كان
عدد المسلمين لا يتجاوز العشرات، وكل قريش كانت كافرة، ضاع علينا منطق القرآن لان
اهل مكة اصلاً كانوا امة واحدة في الكفر باستثناء عدد بسيط من المسلمين. وحتى لو
تجاوزنا عن هذا، فليس منطق القرآن بمقنع هنا لانه لو صارت كل منازل الكفار من
الفضة، وهم الاغلبية في مكة في ذلك الحين، لاصبحت هذه البيوت شيئاً مألوفاً
طبيعياً لا تؤثر في معتقدات الناس. فلو نظرنا الى دول الخليج الان، نجد ان
بإمكانهم سقف منازلهم بالفضة لو شاءوا وكذلك جعل ابوابها ودرجها من الفضة، ولكن
هذا لم يجعلهم يكفرون بالله ويتخلون عن الاسلام. ونرى ان المنطق الاكثر اقناعاً هو
ان يجعل الله بيوت المسلمين الاوائل في مكة من الفضة حتى يُري الكفار ان الله قادر
على مكافأة المسلمين في هذه الحياة وفي الحياة الاخرى.

 

واذا
نظرنا للآية الخامسة عشر من سورة محمد نجدها تقول: ” مثل الجنة التي وعد
المتقون فيها انهار من ماء غير آسن وانهار من لبن لم يتغير طعمه وانهار من خمر لذة
للشاربين “. فاذا كان الخمر يصلح ان يكون جائزة للمتقين الذين يخافون الله
ويفعلون كل ما امر به الاسلام، لماذا حُرمت الخمر في هذه الحياة؟ او اذا وضعنا
السؤال بطريقة مختلفة: اذا كان من الممكن في هذه الحياة ان يشرب الانسان ماءً غير
آسن ولبناً لم يتغير طعمه وخمراً لذيذ الطعم لذة للشاربين، فماذا يغريه بالعمل
الصالح لكي يدخل الجنة غير الحياة الازلية. فالاشياء الاخرى مثل بنات
الحورالجميلات والفواكه العديدة والولدان الذين اذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً،
فكلها يمكن الحصول عليها هنا. اما الأسرة المصنوعة من ذهب او زبرجد فليست مغرية
للغالبية العظمى من الناس. فالحياة الازلية هي الشئ الوحيد الذي لا يوجد في هذه
الحياة.

 

ولما
لم يكن هذا شيئاً محسوساً ولا يمكن تبيانه للناس لجأ القرآن للتهديد والوعيد بنار
جهنم التي يفوق وصفها في القرآن وصف اي شئ آخر. فدعنا نقرأ ما كتب الشيخ محمد سيد
طنطاوي، شيخ الازهر الشريف، عن حديث القرآن عن يوم الحساب: (من ألاساليب الحكيمة
لتعميق الايمان، تذكير الناس بأهوال هذا اليوم، ومن ألآيات القرآنية التي صورت
أهوال هذا اليوم تصويراً ترتجف له القلوب، قوله تعالى: “يأيها الناس اتقوا
ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم. يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات
حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد”. وقد أفتتح
سبحانه هذه السورة الكريمة بهذا الافتتاح الذي تهتز له النفوس، لكي يزداد الناس
إيماناً على إيمانهم، ويقيناً على يقينهم بأن يوم القيامة حق، وان الثواب والعقاب
فيه صدق)

 

وصف
مروّع ولا شك، ولكن هل يحتاج الذين آمنوا الى مثل هذا التخويف ليزيدوا ايمانهم،
كما قال الشيخ طنطاوي؟

 

ويستمر
الشيخ طنطاوي في تخويف الناس بيوم الحساب فيقول: (وفي موطن ثالث يذكّر القرآن
بأهوال يوم القيامة بأسلوب فيه ما فيه من التهديد والوعيد لمن كذب بهذا اليوم،
فيقول سبحانه: “فإذا برق البصر. وخسف القمر. وجمع الشمس والقمر. يقول الانسان
يومئذ أين المفر. كلا لا وزر. الى ربك يوميذ المستقر. ينيأ الانسان يومئذ بما قدم
واخر. بل ألانسان على نفسه بصيرة. ولو ألقى معاذيرة”. والحق ان حديث القرآن
عن أهوال يوم الحساب حديث لا تكاد تخلوا منه سورة من سور القرآن الكريم، وأقرأ على
سبيل المثال الجزء الاخير من اجزاء القرآن الكريم، تجده مع أن سوره من السور
القصيرة نسبياً، زاخراً بالحديث عن أهوال يوم القيامة)

 

وسورة
الحج تصف العذاب الذي يتعرض له الذين لم يؤمنوا بالله:

19-
” هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قُطّعت لهم ثيابٌ من نار يصب من
فوق رءوسهم الحميم”

20-
” يُصهر به مافي بطونهم والجلود”

21-
” ولهم مقامع من حديد”

22-:
كلما أرادوا ان يخرجوا منها من غمٍ أُعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق”

 

ويصف
الله نفسه بالرحمة ويذكرنا في بداية كل سورة انه هو الرحمن الرحيم، فهل بعد هذا
الوصف للعذاب يبقى هناك مكان للرحمة؟ والناس الذين درسوا التوراة دراسة علمية
يقولون أن إله موسى إله غاضب وشرس، مولع بالحروب وقتل الناس، والتوراة لا تصف عذاب
يوم القيامة بمثل هذا الوصف المخيف. ولا غرو أن القرآن ملئ بالتهديد والوعيد لانه
حاول إقناع الناس بمنطقه الذي تحدثنا عنه سابقاً ولم يفلح في إقناعهم، فما بقي له
غير التهديد والوعيد.

 

ولما
كان الحديث عن الجنة والنار، دعنا ننظر للآية 23 من سورة الحج: ” ان الله
يدُخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار يُحلون فيها من
اساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير”. وعلماء الدين قد حرّموا لبس الذهب
على الرجال، وفي الصحيح: ” لا تلبسوا الحرير ولا الديباج في الدنيا فانه من
لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة”. فما الحكمة في تحريم الخمر والذهب
والحرير علي الرجال ووعدهم انهم اذا عملوا صالحاً ستكون مكافأتهم نفس هذه الاشياء
في الجنة.

 

وفي
سورة الحجرات، الآية السابعة عشر عندما جاء بنو اسد للنبي وقالوا له ها نحن اسلمنا
دون قتال، قال الله لهم: ” يمنون عليك ان اسلموا قل لا تمنوا عليّ اسلامكم بل
الله يمن عليكم ان هداكم للايمان ان كنتم صادقين “. ونحن نعلم ان الله يهدي
من يشاء، وهذا هو قد هدى بني اسد للاسلام ولكن لماذا يمن عليهم ان هداهم، اليس
الغاية من ارسال الرسول ان يسلم اكبر عدد ممكن من الناس؟ ويستغرب الانسان لهذا
المن من الله علي بني اسد، خاصة لما نعرف ان الله، في سورة المدثر، الآية السادسة،
امر محمد الا يمنن: ” يا ايها المدثر، قم فانذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر،
والرجز فاهجر، ولا تمنن تستكبر “. فكيف ينهى محمد عن المن ويمن هو؟

 

ومرة
اخرى يصعب علينا متابعة منطق القرآن، ففي سورة الحديد، الآية 21، نجده يقول:
” سابقوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض اعدت للذين آمنوا
بالله”. وقد رأينا في الفصول السابقة ان عرض السماء لا حدود له والارض ليس
لها عرض لانها كرة. ولكن نستنتج من هذه الاية ان الجنة من الكبر بمكان يصعب معه
حتى تخيل حجمها. والسؤال الذي يطرأ على ذهني هو: لماذا يريد الله ان يخلق الجنة
بهذ الحجم وهو يخبرنا في سورة الواقعة، الآية الثانية عشر وما بعدها: ” في
جنات النعيم، ثُلة من الاولين، وقليل من الآخرين”. والله يخبرنا هنا ان ثُلة
اي عدداً بسيطاً جداً من الاولين وقليل من الآخرين سيدخل الجنة، لان الغالبية من
الناس كلما جاءهم رسول كفروا به ولذلك لن يدخلوا الجنة.

 

فاذا
كان هذا هو الحال، لماذا كل هذه الجنة التي لا حدود لها، ولن يدخلها الا عدد بسيط
من الناس. وحتى في هذا العدد القليل من الناس يكون المسلمون اقلية، ففي حديث عن
النبي انه قال: ” اني لأرجو ان تكونوا ربع اهل الجنة”. واذا كان هذا
العدد البسيط من الناس سيدخل الجنة والغالبية العظمى من الناس سيذهبون الى جهنم،
وخاصة ان الله يقول: ” وما منكم الا واردها”، والحديث هنا عن جهنم، وقال
علماء الاسلام ان كل البشر سيردون جهنم ولكن اهل الجنه سيكون ورودهم مؤقتاً ولفترة
وجيزة ثم يذهبون للجنة. فاذا كانت كل هذه البلايين من البشر سترد جهنم، فلا بد ان
يكون حجم جهنم اضعافاً مضاعفةً من حجم الجنة التي سيدخلها قليل من الناس.

وهذه
الجنة عرضها السموات والارض، وليس هذا فحسب، بل هناك جنتان لمن خاف مقام ربه:
” ولمن خاف مقام ربه جنتان”. وحتى الجنتان هذه سيكون من دونها جنتان:
” ومن دونهما جنتان”. وقال جريج هن اربع جنات، وقال القرطبى: ويحتمل ان
يكون ” ومن دونهما جنتان” لأتباعه أي اتباع محمد، لقصور منزلتهم عن
منزلته، احدهما للحور العين والاخرى للولدان المخلدين ليتميز بهما الذكور عن
الاناث. فإين إذاً ستكون جهنم؟

ويكرر
القرآن اسئلة عديدة مالها اجابة مقنعة. فمثلاً في سورة الغاشية، الآية السابعة
عشر، يسأل: ” أفلا ينظرون الى الابل كيف خُلقت”. وما كان احد في تلك
الايام يدري كيف خُلقت الابل. وخلق الابل في حد ذاته لا يختلف عن خلق القطة او
الفأر.. ولكن القرآن اختار الابل للتهويل لان حجمها كبير، رغم ان هذا لا يؤثر في
عملية الخلق. ولا بد ان نفترض ان الله قد خلق الديناصورات وحجمها اضعاف حجم الابل،
لكنه لم يضرب بها المثل. وقد يقول قائل ان الله لم يضرب بها المثل لانها انقرضت
ولم يشاهدها اهل مكة. ولكن نفس أهل مكة هولاء لم يروا في تلك الايام، وحتى عهدٍ
قريب، الرمان، لكون مكة صحراء لا ينبت فيها شجر الرمان ” ربنا إني أسكنت من
ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرّم”. ولكن هذا لم يمنع القران من أن
يذكرهم ان الله سيجازيهم بجنة يأكلون فيها الرمان ” فيها فاكهةٌ ونخلٌ
ورمان”.

 

ونجد
عدة اسئلة من هذا النوع، مثل: ” الم ينظروا الئ السماء كيف خُلقت” او
” ألم يروا كم اهلكنا قبلهم من قرن”. وفي سورة الحج، الآية 70: ”
ألم تعلم ان الله يعلم مافي السماء والارض ان ذلك في كتاب ان ذلك على الله
يسير”. وكيف نعلم ان الله يعلم مافي السماء والارض؟ وفي الآية 63 من نفس
السورة: ” ألم تر ان الله انزل من السماء ماءً فتصبح الارض مخضرة ان الله
لطيف خبير”. فمنذ ان نشأ الانسان على وجه الارض وهو يرى الماء ينزل من
السماء، فما الدليل ان الذي انزله هو الله؟ فنحن نعلم الان قوانين الطبيعة التي
تتحكم في نزول الامطار ولكن ليس لدينا اي برهان ان الله هو الذي خلق هذه القوانين.
والغريب في الامر ان القرآن يضرب اغلب امثلته بالمطر والزرع وأهل مكة ما كانوا
يرون المطر الا مرة كل عدة سنوات، ولذا كان العرب رُحلاً للبحث عن الكلأ والمرعى.
وحتى عندما اسلمت كل الجزيرة العربية لم ينزل الله مطراً عليها كما ينزله على بلاد
أخرى، لتصبح مخضرة كما قال.

 

وفي
سورة الانبياء، الآية 30: ” أولم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا
رتقاً ففتقناهما”. وطبعاً لم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا
ملتصقتين ثم فتقهما، لان ذلك ان كان قد حدث، فحدوثه كان قبل ان يُخلق الانسان،
فكيف يكون الانسان قد راى ذلك؟

 

والقرآن
يحاول اقناع الناس بانه من عند الله بان يؤكد عدة مرات ان الله يعلم ما في
الارحام، فمثلاً في سورة الرعد، الآية الثامنة: ” والله يعلم ما تحمل كل انثي
وما تغيض الارحام”. ويستطيع الاطباء الان بان يعرفوا اذا كان الجنين ذكراً او
انثي، واحداً أم أكثر، وهو بعد في رحم امه. بل اكثر من ذلك انه بامكانهم الان
اختيار نوع الجنين قبل ان يزرعوه في الرحم، بل ويمكنهم ان يجروا عليه عمليات
جراحية وهو ما زال في الرحم. فهل كون الله يعلم مافي الارحام، منطق كافي لاقناع
الناس بوجود الله وبان القرآن من عنده؟

 

القرآن
والارادة:

عندما
يقرأ الانسان القرآن، يسيطر عليه شيئان: الاول هو الخوف من نار جهنم والعذاب الذي
يصفه القرآن وصفاً دقيقا ومرعباًً، والشئ الثاني هو عدم مقدرة الانسان علي تغيير
مجرى الاحداث، اذ ان كل شئ مكتوب ومسطر للانسان من قبل ان يولد. فمثلاً لو اخذنا
سورة الحديد، الآية 22: ” ما اصاب من مصيبةٍ في الارض ولا في انفسكم الا في
كتاب من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله يسير”. فيخبرنا الله هنا انه قد قدر
كل شئ من قبل ان يبرأ او يخلق الارض ومن عليها. وكأن هذا لا يكفي، فيؤكد لنا
الحديث نفس الشئ، يقول ابن كثير في تفسيره للآية: حدثنا حيوة وابن لهيعة قالا
اخبرنا ابو هانئ الخولاني انه سمع ابا عبد الرحمن الحبلي يقول: سمعت عبد الله بن
عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: ” قدر الله المقادير قبل ان
يخلق السموات والارض بخمسين الف سنة”. ورواه مسلم في صحيحه

 

وهاهم
الانبياء انفسهم يتحاجون ويتلاومون بما قٌدر لهم، ففي تفسير الآية 122 من سورة طه،
نجد ابن كثير يقول: قال البخاري حدثنا قُتيبة حدثنا ايوب بن النجار عن يحيي بن ابي
كثير عن ابي سلمة عن ابي هريرة عن النبي (ص) قال: ” حاج موسى آدم فقال له انت
الذي اخرجت الناس من الجنة بذنبك واشقيتهم؟ قال آدم ياموسى انت الذي اصطفاك الله
برسالته وبكلامه أتلومني على أمر كتبه الله قبل ان يخلقني، او قدره الله عليّ قبل
ان يخلقني؟”. فحتى آدم ليس مقتنعاً أن الذنب الذي أرتكبه كان بمحض إختياره.

 

وحتى
موضوع الايمان بالله وبرسوله ليس في ايدينا، فهذه هي الاية الثانية من سورة
التغابن تخبرنا: ” هو الذي خلقكم فمنكم كافرٌ ومنكم مؤمنٌ والله بما تعملون
بصير”. وشرح هذه الاية يقول: هوالخالق لكم على هذه الصفة واراد منكم ذلك فلا
بد من وجود كافر ومؤمن وهو البصير بمن يستحق الهداية. اي بمعنى آخر حتى لو اردت ان
تؤمن، لا يمكن لك ان تؤمن الا اذا كان الله قد قدر انك تستحق الهداية وكتب ذلك لك
في اللوح المحفوظ

 

وهاهي
الآية 13 من سورة السجدة تخبرنا لماذا لم يهدي الله الناس كلهم: ” ولو شئنا
لاتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملان جهنم من الجٍنة والناس
اجمعين”. وبما ان جهنم لا تمتلئ ” فنقول لها هل إمتلات فتقول هل من
مزيد”، يجب ان يظل اكثر الناس كافرين حتى يملأ الله جهنم بهم لانه سبق منه
القول بذلك، والله لا يخلف قوله.

 

ومرة
اخرى يخبرنا القرآن في سورة النحل الآية 93 ان الايمان لا يكون الا بإرادة الله:
” ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسئلن عما
كنتم تعملون”. فهو يضل من يشاء ثم يسألهم عما كانوا يعملون. فهل يستوي هذا
المنطق مع الارادة الحرة؟

 

ويظهر
ان الله يختم على قلوب من اختارهم للكفر حتى لا يفهموا القرآن فيؤمنوا به، ففي
الآية 46 من سورة الاسراء نجد: ” وجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهون وفي
آذانهم وقراً واذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفوراً”. والآية
111 من سورة الانعام تقول: ” ولو انا انزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى
وحشرنا عليهم كل شئ قُبلاً ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم
يجهلون”. فاذاً كل محاولات الانسان الغير مسلم ان يفهم القرآن ويؤمن به لا
تجدي الا اذا كان الله قد قرر مسبقاً لهذا الفرد ان يؤمن، والا سيجعل الله في آذنه
وقراً وسيطبع على قلبه فلا يؤمن.

 

وسورة
يونس، الآية 100 تكرر لنا نفس الرسالة: ” وما كان لنفسٍ ان تؤمن الا باذن
الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون”. وفي نفس سورة يونس الآية 99، نعلم:
” ولوشاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعاً، أفانت تُكره الناس حتى يكونوا
مؤمنين”. وفي سورة هود الآية 118: ” ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً
ولا يزالون مختلفين”. ونحن نعلم من القرآن ان الانسان لا يملك لنفسه نفعاً
ولا ضراً وانما هو مُسيّر حسب ما قدر الله له، فالآية 49 من سورة يونس تقول:
” قل لا املك لنفسي ضراً ولا نفعاً الا ما شاء الله”.

 

وقد
يُرسل الله الرسل بلسان قومهم ليشرحوا لهم رسالة الله، ولكن هولاء الناس لا يملكون
الخيار في ان يؤمنوا او يكفروا، فالآية الرابعة من سورة ابراهيم تقول: ” وما
ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء”.

 

والآية
التاسعة من سورة النحل تؤكد لنا عدم مقدرتنا عل تقرير مصيرنا: ” وعلى الله
قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء الله لهداكم اجمعين”. وحتى الرسول نفسه ما كان
بأمكانه ان يهدى من احب، كما حدث لابراهيم من قبله عندما حاول ان يهدي اباه للدين
الجديد، فما استطاع ذلك. والآية 56 من سورة القصص تؤكد لنا ذلك: ” انك لا
تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو اعلم بالمهتدين”.

 

وقد
رأينا مما تقدم ان الانسان ليست له ارادة ليقرر لنفسه ما يفعل، واكثر من ذلك نجد
ان الاسلام يأتي في قصصه بأمثلة تؤكد ان الحساب والعقاب لا يعتمد على ما فعل
الانسان وانما يمكن معاقبته بما فعل غيره. فاذا اخذنا مثلاً قصة قوم لوط، لرأينا
ان الغالبية العظمى منهم لم يرتكبوا اي ذنب، فنصفهم كان نساء وحوالى الخُمس او
السدس كانوا اطفالاً لا يعلمون شيئاً عن الممارسات الجنسية التي كان يمارسها بعض
الرجال في المدينة، ولابد أن أغلب الرجال كانوا طبيعيين من الناحية الجنسية بدليل
انهم جامعوا نساءهم وانجبوا أطفال المدينة، ونستطيع أن نقول أن عدداً غير كبير من
الرجال كان منحرفاً جنسياً وأرادوا مضاجعة ضيوف لوط، ولكن لما جاء عذاب الله، محا
المدينة عن الوجود بكل من فيها، المذنب والبرئ، بما فيهم الاطفال.

 

ويظهر
ان القرارات الالهية لا تلتزم بنفس العقاب لذات الاثم، فاذا كان الله قد غضب على
قوم لوط ولم يمهلهم لليوم الآخر، وهم قد ارتكبوا اثم اللواط في مدينة واحدة،
فلماذا يصبر الله على الملايين الذين يمارسون اللواط الان في كل مدن وقرى
المعمورة، وهم يمارسونه من قبل ظهور الاسلام وحتى يومنا هذا، ولا يخفونه كما كان
يحدث في الماضي؟ بل صاروا يعقدون الجيزات للمرأة على المرأة، وللرجل على الرجل.
وها نحن نقرأ في الصحف يومياً عن القساوسة الذين مارسوا الجنس مع أولاد صغار ممن
ينشدون الاناشيد في الكنائس، ولا بد أن هناك مشائخ في العالم الاسلامي يفعلون نفس
الشئ. فلماذا لم يعاقبهم الله كما عاقب قوم لوط؟ ولا بد أن يقول شيخ الاسلام إن
الله يمهل ولا يهمل، ونقول لهم لماذا إذاً لم يُمهل الله قوم لوط؟

 

وقد
سأل موسى ربه ان كان يريد ان يعاقبهم بما فعل السفهاء منهم، كما فعل بقوم لوط، في
الآية 149 من سورة الانعام: ” واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلما
اخذتهم الرجفة قال ربي لو شئت اهلكتهم من قبلي وأياي، أتهلكنا بما فعل السفهاء
منا، ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء”. فهاهو النبي موسى الذي
تكلم مع الله مباشرةً يقول له كيف تعاقبنا بما فعل السفهاء منا؟ وحتى هولاء
السفهاء ما فعلوا ما فعلوه الا بعد ان فتنتهم أنت، فهي فتنتك تضل بها من تشاء.

 

ويظهر
ان عمل الانسان في هذه الحياة لا يُعتمد عليه في الدخول الى الجنة او النار، وانما
يعتمد كل شئ على القرار الاولي الذي اتخذه الله قبل ان يُخلق الانسان. ولنقرأ هذا
الحديث النبوي لنعلم مدى صحة هذا القول: حدثنا الاعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله –
وهو ابن مسعود – قال: حدثنا رسول الله (ص) وهو الصادق المصدوق ” ان احدكم
ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيُختم
له بعمل اهل النار فيدخلها، وان احدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه
وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيُختم له بعمل اهل الجنة فيدخلها”. فاذاً
المسالة مسالة حظ ونصيب، ليس الا.

 

ويبدو
ان بعض الانبياء لا يريدون لقومهم ان يؤمنوا قبل ان يروا عذاب الله، فهذا هو موسى
عندما بُعث الى فرعون وقومه، يطلب من الله ان يشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا
العذاب، وهو يوم القيامة، كما نرى في الآية 88 من سورة يونس: ” وقال موسى
ربنا انك اتيت فرعون وملأه زينةً واموالاً في الحياة الدنيا، ربنا ليضلوا عن سبيلك
ربنا اطمس على اموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم”.
وليس غريباً ان نفس هذه ألآية موجودة في التوراة: ” وأقسى الرب قلب فرعون فلم
يؤمن بموسى عندما كلمه الله”

 

ويبدو
ان الله نفسه قد ختم على قلوب بعض الناس ومنعهم ان يؤمنوا قبل ان يريهم العذاب
الاليم، كما نرى في الآية 96 وما بعدها من سورة يونس: ” ان الذين حقت عليهم
كلمة ربك لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الاليم”.

 

 المتناقضات
في القرآن:

هناك
آيات كثيرة في القرآن يصعب اخضاعها للمنطق. والقرآن في هذا كبقية الاديان السماوية
الاخرى، لا يخضع للمنطق، وعلي الانسان اما ان يؤمن بما جاء في الاسلام دون التفكير
فيه منطقياً، او اخضاعه للمنطق وادخال الشك الى نفس الانسان. وتعريف الايمان
Faith ” هو: التصديق بشئ دون تمحيص “. أي دون برهان. وعليه
فان أغلب المؤمنين لا يُخضعون ايمانهم للمنطق حتى لا يتزعزع هذا الايمان. والذي
يدفع الانسان لاخضاع الاسلام للمنطق هو اصرار بعض العلماء المسلمين على محاولة جعل
القرآن يحتوي على كل شئ من الدين والدولة والعلم، واصرارهم ان القرآن سبق العلم
الحديث في تفسير الظواهر الطبيعية. وعليه سنحاول اخضاع بعض آيات القرآن للمنطق.

 

فلنبدأ
بالآية الرابعة من سورة ابراهيم: ” وما ارسلنا من رسولٍ الا بلسان قومه ليبين
لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحليم”. والآية السابعة من
سورة الشورى تقول: ” وكذلك اوحينا اليك قرآناً عربياً لتنذر ام القرى ومن
حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير”. فالذي
يُفهم من هذين الآيتين، حسب المنطق، هو ان الله لا يرسل رسولاً لامة الا بلسانها،
ولما ارسل محمداً بلسانٍ عربي لينذر ام القرى، اي مكة، ومن حولها، يكون المقصود
بالرسالة هم العرب. ولكن في سورة اخري يخبرنا القرآن ان الاسلام اُنزل مصدقاً
ومتمماً للكتب التى سبقته، وكذلك ارسل الله محمداً بالاسلام ليظهره على الدين كله.
أي بمعنى آخر، ارسل محمداً لكل البشر رغم ان القرآن نزل باللغة العربية.

 

ولكن
في سورة فصلت الآية 44 نجد: ” لو جعلناه قرآناً اعجمياً لقالوا لولا فُصلت
آياته، أعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء”. فاذاً لو جعل الله القرآن
اعجمياً لاحتج العرب ولقالوا لولا فُصلت آياته لنا بلغتنا، ولما كان علماء
المسلمين يصرون على ان اعجاز القرآن في لغته، يجوز اذاً لغير العرب ان يقولوا ان
الله لم يرسل رسولاً لقوم الا بلغتهم، وما دام القرآن ليس بلغتنا، فهو ليس لنا لان
ترجمته الى لغاتنا تفقده اعجازه اللغوي، وبما ان محمد لم تكن له معجزات مادية
كغيره من الانبياء، وكل معجزته هي لغة القرآن، فاذا فُقدت هذه المعجزة نتيجة
الترجمة فقد القرآن قيمته الاقناعية.

 

وسورة
الشعراء تؤكد لنا ذلك في الآية 193 وما بعدها: ” نزل به الروح الامين، على
قلبك لتكون من المنذرين، بلسانٍ عربي مبين، وانه لفي زُبر الاولين، أولم يكن لهم
آيةً ان يعلمه عُلماء بني اسرائيل، ولو نزلناه على بعض الاعجمين، فقرأه عليهم ما
كانوا به مؤمنين، كذلك سلكناه في قلوب المجرمين، لا يؤمنون به حتى يروا العذاب
الاليم”. فهاهو الله يخبرنا انه لو نّزل هذا القران العربي على بعض الاعجمين
لم يؤمنوا به حتى يروا العذاب الاليم، وهو يوم القيامة.

 

وفي
نفس الوقت الذي يخبرنا فيه القرآن ان الاسلام هو الدين المنزل لكل الناس، نجد فى
الآية 47 من سورة المائدة: ” وليحكم اهل الانجيل بما انزل الله فيه ومن لم
يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون”. وفي الآية 68 من نفس السورة: ”
قل يا اهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والانجيل وما اُنزل اليكم من
ربكم”. ومعنى هاتين الايتين ان اهل الكتاب من نصارى ويهود يجب ان يتبعوا
الانجيل والتوراة ويحكموا بما انزل الله فيهما. ولا بد ان سيقول علماء الاسلام ان
هاتين الآيتين منسوختان. ولكن كونهما انزلتا في المكان الاول يدل على ان الله اراد
لاهل الكتاب ان يُحّكموا التوراة والانجيل لفترة من الزمن بعد ارسال محمد والى حين
النسخ، إذا كانتا فعلاً قد نُسختا.

ويذهب
القرآن الى ابعد من هذا ويقول في الآية 69 من نفس السورة: ” ان الذين آمنوا
والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحاً فلا خوف
عليهم ولا هم يحزنون”. وبما ان اليهود والنصاري يؤمنون بالله واليوم الاخر،
فان من عمل منهم صالحاً فلا خوف عليه ولا حاجة به لان يكون مسلماً. ولكن كيف
يعللون ان الصابئين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فالصابئون اصلهم من فارس وكانوا
يعبدون الاصنام. وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية انها نزلت في أصحاب سلمان
الفرسي. ولما كان سلمان من المقربين الى الرسول، جلس اليه يوماً وأخبره عن
الصابئين وانهم كانوا يؤمنون بمحمد قبل ان يُبعث. فقال له الرسول انهم من اهل
النار، وحز هذا في نفس سلمان الفارسي وحزن لهم، فأنزل الله هذه ألآية وقال إن
الصابئين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وليس هناك في تاريخ فارس ولا فيما وُجد من
حفريات شئ يدل على ان الصابئين كانوا أهل دين منزل أو انهم كانوا مؤمنين بمحمد قبل
أن يُبعث. فإذاً الصابئون أُضيفوا الى قائمة الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون،
إرضاءاً لسلمان الفرسي لانه حزن لهم لما أخبره الرسول انهم من أهل النار.

 

ولما
جاء نفر من اليهود يحكّمون النبي في خلاف نشب بينهم، قال الله له في الآية 43 من
سورة ” المائدة: ” وكيف يحكموك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون
من بعد ذلك وما اؤلئك بالمؤمنين “. فنفهم من هذا ان حكم التوراة هو نفس حكم
القرآن، ويتبع من ذلك ان لا فرق بين التوراة والقرآن. فما كان اليهود يحتاجون أن
يُحّكموا محمد.

 

وفي
ألآية التي بعدها: “إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونورٌ يحكم بها النبيون
الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا
عليه شهداء”. فقال الله أنه أنزل التوراة ليحكم بها النبيون، ونحن نعلم أن
التوراة نزلت على موسي، ولم يكن بعد موسى الا عيسى ومحمد، فهل قصد الله أن يحكم
محمد بالتوراة؟ أم كانت هذه واحدة من ألآيات التي حاول بها محمد استمالة اليهود؟

 

وفي
سورة آل عمرآن عندما يتكلم الله عن اليهود:

113-
” ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمةٌ قائمةٌ يتلون آيات الله أناء الليل وهم
يسجدون”

114-
” يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في
الخيرات وأولئك من الصالحين”

115-
” وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه والله عليم بالمتقين”

 

وهاهو
الله يقول أن اليهود ليسوا كلهم سواء، ففيهم أمة يتلون التوراة ويؤمنون بالله وهم
من الصالحين، ولذا ما كان يحق لمحمد أن يقتلهم ويطردهم من ديارهم. ولكن المفسرون
الاسلاميون قالوا أن القرآن قصد اليهود الذين أسلموا وآمنوا بمحمد. ونحن نعرف من
كتب السيرة أن حفنة تُعد على الاصابع هم الذين أسلموا، وهم: عبد الله بن سلام
وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسيد بن عبيد، أما بقية اليهود فقتلهم محمد وسبى
نساءهم أو طردهم من ديارهم ونزحوا الى الشام. والاربعة أو الخمس يهود الذين أسلموا
لا يكوّنون أمةً حتى يذكرهم القرآن في هذه ألآية.

 

وفي
سورة الشورى الآية 19 يخبرنا الله: ” ان الله لطيف بعباده يرزق من يشاء
“. ويقول ابن كثير في تفسير هذه الاية: يقول تعالى مخبراً عن لطفه بخلقه في
رزقه اياهم عن آخرهم لا ينسى احداً منهم، سواء في رزقه البار والفاجر. وفي سورة
هود، الآية السادسة نجد: ” وما من دابة في الارض الا على الله رزقها”.
وتفسيرها: اخبر تعالى انه متكفل بارزاق المخلوقات من سائر دواب الارض صغيرها
وكبيرها، بحريها وبريها. فاذا كان هذا هو المفهوم من هذه الايات، لماذا نرى كل عام
على شاشات التلفاز ملايين من الاطفال والنساء والرجال العجائز يموتون من اثر
المجاعات في اثيوبيا والصومال وبقية افريقيا؟ هل يرجع ذلك الى انهم غير مسلمين؟ في
حين يخبرنا ابن كثير ان الله لا ينسى منهم احدا، سواء عنده البار والفاجر. أيمكن
ان يرجع هذا الى الآية التي تقول: ” ومن يتقي الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من
حيث لا يحتسب”. فهل يرزق الذين يتقونه فقط، والا كيف تستقيم هذه الاية مع
الحقائق التي نراها بأعيننا من مجاعاتٍ متكررة في افريقيا؟

 

وسورة
الزخرف، في الآية 11 تقول: ” والذي انزل من السماء ماءً بقدر فانشرنا به بلدة
ميتاً كذلك تُخرجون”. ويقول تفسير الجلالين: ينزل المطر بقدر حاجتكم اليه،
ولم ينزله طوفاناً. ولكن في كل عام نرى بلاداً مثل الهند وبنقلاديش تغمرها
الفيضانات من كثرة الامطار مما يؤدي الى موت مئات ان لم يكن آلافٍ من البشر بينما
يقتل الجفاف اعداداً هائلة في افريقيا. فهل هذه الفيضانات السنوية بقدر حاجة الهند
وغيرها للامطار؟

 

في
سورة الروم، الآية 20، يخبرنا القرآن ان الله خلق الانسان من تراب: ” خلقكم
من تراب”. ولكن في سورة الانبياء الآية 30، يقول القرآن: ” وجعلنا من
الماء كل شئ حيي أفلا يؤمنون”. وبما ان الانسان مخلوق حي، فانه اذاً خُلق من
الماء، بينما تخبرنا الاية الاولى انه خُلق من تراب.

 

ويتحدث
القرآن عن يوم القيامة بوصفٍ دقيق لكل انواع العذاب والمسآلة، وهو وصفٌ مخيف، لا
شك في ذلك، ولكنه لا يخلو من التناقض، فمثلاً في سورة ” المؤمنون “،
الآية 101: ” فاذا نُفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون”.
وهذا يعنى ان الانسان يوم الحساب اذا راى ابنه او ابنته فلا يهتم لنسبهم ولا
يتساءلون. وفي سورة القصص، الآية 66: ” فعميت عليهم الانباء يومئذ فهم لا
يتساءلون”. وكذلك نفس التاكيد في سورة المعارج، الآية 10: ” ولا يسأل
حميم حميماً”. ويقول كذلك في آية اخرى: ” يوم يفر المرء من اخيه وامه
وابيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه”. فهذه صورة اناس في غاية
من الهلع والخوف، يركضون في عدة اتجاهات ولا وقت عندهم للتحدث مع بعضهم البعض حتى
لو كانوا انساباً. ولكن سورة الصافات تخبرنا غير ذلك في الآية 26: ” بل هم
اليوم مستسلمون، واقبل بعضهم على بعض يتساءلون”.

 

ويوم
القيامة كذلك يُعطى كل انسان كتابه الذي سجلت فيه الملائكة كل اعماله من حسن وسيئ،
ويطلب منه ان يقرأ كتابه ويعترف بذنوبه، كما تخبرنا سورة الاسراء، الآية 13:
” وكل انسان الزمناه طيره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباَ يلقاه منشوراً،
أقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً”. ولكن كيف يقرأ هذا الانسان كتابه
وتخبرنا نفس السورة في الآية 97: ” ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عُمياً
وبكماً وصُماً مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيراً”. وكذلك تخبرنا سورة طه في
الآية 124: ” ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة
اعمى”. وهل يستطيع الاعمى ان يقرأ؟

 

ويوم
القيامة يوم يحشرهم الله عُمياً صُماً، يجعلهم كذلك بُكماً لا ينطقون، وهذه سورة
المرسلات تؤكد ذلك في الآية 34 وما بعدها: ” ويل يومئذ للمكذبين، هذا يوم لا
ينطقون، ولا يُوذن لهم فيعتذرون”. وسورة يس، الآية 65 كذلك تؤكد هذا: ”
اليوم نختم على افواههم وتكلمنا ايديهم وتشهد ارجلهم بما كانوا يكسبون”. فنحن
نرى هنا، بلا ادنى شك، انهم لا يستطيعون، ولا يُسمح لهم بالكلام يوم القيامة لان
الله قد ختم على افواههم، وعليه تتكلم جلودهم وارجلهم وايديهم التي ليس لها لسان
وتشهد عليهم بما صنعوا. وقد يسأل الانسان كيف علم الجلد ماذا صنع صاحبه في الحياة
الدنيا، والجلد لا يسمع ولا يرى؟ وبالتالي لا يستطيع أن يشهد على صاحبه لان
الانسان أو الجلد لا تُقبل شهادته إن كان قد سمع ما يقول من شخصٍ أو شئ آخر، ولم
يره بنفسه.

 

واذا
تركنا هذا جانباً وركزنا على عدم مقدرة الانسان على الكلام يوم القيامة، نرى ان
سورة الصافات، في الآية 27 تخبرنا بغير ذلك: ” واقبل بعضهم على بعض
يتساءلون”. وكيف يتساءلون وهم لا بقدرون على النطق لان الله قد ختم على
افواههم. واما سورة فصلت، فتخبرنا في الآية 20 وما بعدها: ” حتى اذا جاءوها
شهد عليهم سمعهم وابصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون، وقالوا لجلودهم لم شهدتم
علينا، قالوا انطقنا الله الذي انطق كل شئ وهو خلقكم اول مرة واليه ترجعون”.
فكيف استطاعوا أن يسألوا جلودهم وقد ختم الله على أفواههم؟

 

وسورة
الحاقة، الآية 19 تقول: ” فأما من اُتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا
كتابيه اني ظننت اني ملاقٍ حسابيه”. فهاهم يتكلمون رغم ان الله قد ختم على
افواههم. وفي سورة الزمر ألآية 25: ” ثم يوم القيامة يلعن بعضكم بعضاً”.
فكيف يلعن بعضنا بعضاً اذا ختم الله على أفواهنا.

 

ولان
الله قد ختم على افواههم وانطق جلودهم وايديهم وارجلهم لتشهد عليهم، ماعاد هناك اي
داعي لان يُسألوا عن اعمالهم، ولذلك تخبرنا سورة الرحمن في الآية 39: ”
فيومئذٍ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان”. وهذا شئ منطقي، غير ان سورة الحجر،
الآية 92، تخبرنا: ” فوربك لنسألنهم اجمعين”.

 

وما
زلنا نتكلم عن يوم القيامة، يوم يُحشر الجن والانس، كما تقول سورة الانعام، الآية
128: ” ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال اولياؤهم
من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا اجلنا الذي اجلت لنا، قال النار مثواكم
خالدين فيها الا ما شاء الله ان ربك حكيم عليم”. وهاهم اولياؤهم من الانس
يتكلمون مع الله ويقولون انهم استمتعوا بالجن واستمتع بهم الجن، وهذا يرجع الى بعض
الاحاديث التي تقول ان بعض رجال الجن المسلمين تزوجوا نساءً من البشر.

 

واذا
تركنا هذا وركزنا علي جهنم التي يكون الجن والانس خالدين فيها الى ما شاء الله،
نجد سورة هود في الآية 105 وما بعدها تقول: ” يوم يأت لا تكّلم نفس الا بأذنه
فمنهم شقي وسعيد، فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، خالدين فيها ما
دامت السموات والارض الا ما شاء الله ربك ان ربك فعال لما يريد”. ولا نفهم
هنا كيف يكونوا خالدين في النار مادامت السموات والارض، ونحن نعلم انه عندما يصيح
جبريل ليوم الحساب ويخرج الناس من قبورهم، تُطوى السماء كطي السجل وتصير الارض
والجبال كالعهن المنفوش. فلا الارض ولا السماء دائمة بعد يوم النشور، وعليه لن
يمكث الجن والانس في النار طويلاً اذا لم تدم الارض والسماء. ويقول القرطبي في
تفسير هذه ألآية: (وأختلفوا في تأويلها: فقالت طائفة منهم الضحاك: المعنى ما دامت
سموات الجنة والنار وأرضيهما، والسماء هو كل ما علاك فأظلك، وألارض ما استقر عليه
قدمك).

 

هذه
محاولة يائسة من القرطبى للخروج من هذا المأزق. فلم يخبرنا الله أن الجنة والنار
لهما سموات وارض، بل قال جنة عرضها السموات والارض. وقوله ان السماء هو كل ما علاك
واظلك، قول خاطئ لان الله قال ” السماء بنيناها بأيد”، والبناء لا يكون
للهواء والفراغ، والسماء لا تظلنا خاصة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية حيث الشمس
تسطع على الرؤوس طوال اليوم. واذا تتبعنا هذا المنطق نستطيع أن نقول أن الشجرة
سماء، لأنها تعلونا وإذا وقفنا تحتها فهي تظلنا من الشمس، ولكن الله لم يبن الشجرة
بأيدٍ لاننا نراها تنمو من حبة صغيرة على مدى سنين، وكذلك البناء الشاهق فهو يعلونا
ويظلنا ولكنه ليس بسماء.

 

وقوله
أن الارض هو كل ما استقر عليه قدمك، قول خاطئ كذلك، لأن الانسان الذي وقف ومشى فوق
القمر كانت رجله تستقر على القمر، ولكن القمر ليس ألارض.

 

ويخبرنا
القرآن ان الله سوف يطوي السماء كطي السجل يوم القيامة وسوف يجعل الارض والجبال
كالعهن المنفوش، أو يدك ألارض دكاً ” كلا إذا دُكت الارض دكاً، وجاء ربك
والملك صفاً صفا”. ولكن في سورة الزمر يخبرنا أن الذين يدخلون الجنة يوم
القيامة سيقولون: ” وقالوا الحمد لله الذي أورثنا ألارض نتبوأ من الجنة حيث
نشاء فنعم أجر العاملين”. فإذاً الجنة ستكون على الارض وسوف يرثها الذين
عملوا صالحاً، فكيف يرثون الارض وهي كالعهن المنفوش. والقرآن كذلك يخبرنا مراراً
أن الجنة عرضها كعرض السموات والارض، فكيف تكون الجنة على ألارض؟

 

ويقول
القرآن في سورة التكوير، الآية الاولى ان الشمس تكور يوم القيامة، ونفهم من هذا ان
الشمس قرص مسطح سوف يكور فيما بعد: ” اذا الشمس كُورت”. ولتأكيد أنهم
كانوا يعتقدون ان الشمس قرص مستدير، فلينظر القارئ ماذا يقول الرسول عن الشمس:

 

فمما
روي عن رسول الله (ص) في ذلك، ما حدثنا به محمد بن ابي منصور الاملي، حدثنا خلف بن
واصل قال: حدثنا عمر بن صبح ابو نعيم البلخي، عن مقاتل بن حيان، عن عبد الرحمن بن
ابزي، عن ابي ذر الغفاري قال: كنت آخذ بيد رسول الله (ص) ونحن نتماشي جميعاً نحو
المغرب، وقد طفأت الشمس، فما زلنا ننظر اليها حتي غابت، قال: قلت: يارسول الله،
اين تغرب؟ قال: تغرب في السماء، ثم تُرفع من سماء الي سماء حتي تُرفع الي السماء
السابعه العليا، حتي تكون تحت العرش، فتخر ساجده، فتسجد معها الملائكه الموكلون
بها، ثم تقول: يارب من اين تامرنى ان اطلع، امن مغربي أم من مطلعي؟ قال: فذلك قوله
عز وجل: “والشمس تجري لمستقر لها” حيث تحبس تحت العرش، ” ذلك تقدير
العزيز العليم” (سورة يس 38)

 

وواضح
من هذا الحديث أنهم كانوا يعتقدون أن الشمس قرص مستدير يقف على حافته. وعندما يصل
هذا القرص تحت العرش يخر ساجداً أي يقع على وجهه. فلو كانت الشمس كرةً لما قالوا
سجدت لان الكرة تتدحرج ولا تقع على وجهها.

وقال
ابن جرير ان التكوير جمع الشئ بعضه على بعض ومنه تكوير العمامة، فمعنى قوله:
كورت” جُمع بعضها الى بعض ثم لفت فرمي بها، ولذا ذهب ضوءُها. وشرح بعضهم
” كورت”، بمعنى ذهب ضوءها كما يخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري عن
ابن ابي طلحة عن ابن عباس: ” اذا الشمس كورت” يعني ذُهب بضوئها واظلمت،
وقال مجاهد: اضمحلت وذهبت. وقال قتادة: ذهب ضوءها وقال الربيع بن حثيم: كورت يعني
القيت. ونفهم من هذا انه لن تكون هناك شمس يوم القيامة.

 

ولكن
دعنا ننظر الى سورة الانسان، الآية 12 وما بعدها، عندما يصف الله الجنة: ”
وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً، متكئين فيها على الارائك لا يرون فيها شمساً ولا
زمهريراً، ودانية عليهم ظلالها وذُللت قطوفها تذليلاً”. فمن اين يا تُرى جاءت
الظلال اذا لم تكن هناك شمس؟

 

النسخ
في القرآن:

يقول
القرآن في سورة هود، الآية الاولى: ” ألر كتابٌ اُحكمت آياته ثم فُصلت من لدن
حكيم خبير”. نفهم من هذه ألآية أن الله قد أحكم آيات القرآن من قبل أن يُنزله
على محمد، ثم فصّل آياته كما يُفصل الخياط الثوب، فأنزل ألآيات المناسبة في
المناسبات المناسبة لها، وهذا تقديرٌ من إله حكيم وخبير ببواطن الامور وبما سيحدث
في المستقبل القريب والبعيد.

 

وفي
سورة البروج، الآية 21: ” بل هو قرآن مجيد، في لوحٍ محفوظ”. وشطح
المفسرون شطحات بعيدة في وصف هذا اللوح المحفوظ، فمنهم من جعله من درة بيضاء طوله
بطول السماء والارض وعرضه ما بين المشرق والمغرب، ومنهم من جعله بين عيني اسرافيل
ومنهم من جعله على جبهته. هذا اللوح خُلق قبل ان يخلق الله الارض والسماء، وكُتب
فيه كل شئ سوف يحدث لكل انسان او حيوان الى ان تقوم الساعة، وفي هذا اللوح كتب
الله القرآن.

 

فاذاً
القرآن كُتب قبل ان تُخلق الارض. ويقدر العلماء عمر الارض بأربعة مليارات ونصف
المليار من السنين، وقدروا عمر جبال الثلج بالقطب الجنوبي بحوالي 35 مليون سنة.
واول انسان بدائي ظهر على سطح الارض قبل سبع ملايين من السنين. ونستطيع ان نقول ان
الله خلق القرآن قبل أربعة مليارات من السنين على اقل تقدير، وفي هذه الفترة خلق
القرآن وحفظه في اللوح المحفوظ، وأحكم الله آيات القرآن، كما اخبرنا في الآية
المذكورة اعلاه. واذا تتبعنا هذا المنطق، فليس هناك اي سبب يجعل الله يبدل آيةً
مكان آية، اذا كان القرآن في حوزته كل هذه السنين، وقد اخبرنا هو نفسه ان آياته قد
اُحكمت طوال هذه السنين.

ولكن
دعنا ننظر للآية101 من سورة النحل: ” واذا بدلنا آيةً مكان آية والله اعلم
بما يُنزل قالوا انما انت مفتري بل اكثرهم لا يعلمون”. وفي سورة البقرة،
الآية 106: ” ما ننسخ من آية او نُنسها نأت بخير منها او مثلها ألم تعلم ان
الله على كل شئ قدير”. وهنا مربط الفرس. أولاً لماذا احتاج الله ان ينسخ اي
آية في القرآن الذي كان بحوزته كل هذه المليارات من السنين، وهو قد احكم آياته.
لماذا لم يغير هذه الايات قبل ان يُنزلها على محمد؟ وثانياً اذا نسخ آية، لماذا
يريد ان يأتي بمثلها؟ فما الغرض من نسخها ان كان الله يريد ان يأتي بمثلها؟
وثالثاً اذا اراد ان يأتي بأحسن منها، فقد كان القرآن عنده كل هذه السنين، فكان
ألاجدر أن يغير ألآيات التي أراد أن يأتي بأحسن منها قبل أن ينزلها على الرسول.
ولكنه قد فعل هذا بعد ان نزل القرآن على محمد، واذاً هذه الآيات الجدد لم تكن في
اللوح المحفوظ من قبل ان يخلق الله الارض، وانما خلقها الله حديثاً لتحل محل الآيات
القديمة المنسوخة، والا لو كانت ألآيات الجديده موجودة في اللوح المحفوظ منذ
الابد، ما كان هناك داعي لانزال الآيات المنسوخة لان الله قد كتب بدلاً عنها آيات
جديدة. فاذاً نستطيع ان نقول ان اجزاء من القرآن لم تكن في اللوح المحفوظ، وعليه
فان اللوح المحفوظ لا يحتوي على كل شئ كما اخبرنا القرآن، وان القرأن مخلوق كما
قال المعتزلة.

 

والسبب
الرئيسي في النسخ، في اعتقادي، هو انتشار الاسلام على مرحلتين، واعني مكة
والمدينة. فلما كان محمد في مكة يحاول نشر الاسلام بين قريش، كان مستضعفاً لا
يحميه من قريش غير عمه ابو طالب. فما كان باستطاعته مخاطبة قريش بلهجة آمرة. فأغلب
الآيات المكية فيها تسامح شديد مع الذين لم يؤمنوا. فمثلاً:

 


وأن أتلوا القرآن، فمن أهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من
المنذرين”


ولا تجادل اهل الكتاب الا بالتي هي احسن”


من كفر فلا يحزنك كفره”


فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون”


فمن أهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل”


واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً”.


وذرني والمكذبين اولي النعمة وامهلهم قليلاً”.


فإن اسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فانما عليك البلاغ والله بصير بالعباد”.


ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”.

 

والآيات
المكية اغلبها قصص عن يونس وهود ويوسف وابراهيم والكهف والاسراء ومريم ونوح وما
الى ذلك. وكان النبي يجلس مع اهل مكة يحكي لهم قصص الاولين ويصف لهم الجنة
وخيراتها والنار ودرجات العذاب بها. وكان اهل مكة يضحكون عليه ومن قصصه، لأن النضر
بن عبد بن الحارث كان يتبعه في مجلسه ويحكي لهم قصصاً أطرف عن ملوك الروم. ودفع
النضر حياته فيما بعد ثمناً لهذا.

 

ولكن
بعد أن هاجر محمد الى المدينة واستقر به الحال وسط الأوس والخزرج وقويت شوكته،
تغيرت لهجته كذلك واصبحت ألآيات اكثر جرأة وصارت تحض على القتال. ولذا كان لا بد
من الغاء او تعطيل الآيات المكية التي كانت تنصحه بان يتساهل مع الكافرين واهل
الكتاب، فادخل بعض الآيات المدينية المتشددة على الكفار في سور مكية كان قد اكتمل
انزالها وهو في مكة، ومن هذه السور المكية التي أدُخلت بها آيات مدينية نذكر على
سبيل المثال:

 

سورة
ألانعام وعدد آياتها 65 وبها 6 آيات مدينية

سورة
الاعراف وآياتها 205 وبها 5 آيات مدينية

سورة
يونس وآياتها 109 وبها آيتان مدينيتان

سورة
النحل وآياتها 128 وبها آية واحدة مدينية

سورة
ألاسراء وآياتها 110 وبها 8 آيات مدينية

سورة
مريم وآياتها 98 وبها 3 آيات مدينية

سورة
القصص وآياتها 87 وبها 5 آيات مدينية

 

 وهناك
سور مدينية اُدخلت بها آيات مكية، مثل سورة الانفال وهي مدينية الا سبعة آيات
ابتداءً من الآية العشرين. وبسبب هذه الاضافة للسور التي كان قد اكتمل انزالها،
كان لابد لبعض هذه الآيات ان تخالف ما كان قد ذُكر في هذه السور المكية أو
المدينية، ولذا ابتكروا فكرة النسخ هذه

 

وفي
الحقيقة أن هذه ألآيات لم تُنسخ وانما تعارضت ألآيات التي أُضيفت جديداً للسور
المكية مع الآيات القديمة، ولذا قالوا عندما لاحظوا التضارب، انها نُسخت. وهذا
يقودنا الى ان نسأل نفس السؤال السابق: اذا كان هذا القرآن قد كُتب في لوح محفوظ
قبل ان يُخلق العالم، لماذا لم تُرتب هذه السور ترتيباً دقيقاً دون الحاجة لأدخال
آيات مدينية في سور مكية والعكس بالعكس؟

 

واول
سورة نزلت بالمدينة بعد ان احتمى محمد بالاوس والخزرج وقويت شوكته، كانت سورة
البقرة، ونزلت فيها الآية 190 تقول: ” وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم
ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين”. فهنا سمح الله لمحمد أن يقاتل المشركين
ولكن لا يعتدي عليهم إن لم يعتدوا عليه. ثم الآية 91 تقول: ” واقتلوهم حيث
ثقفتموهم واخرجوهم من حيث اخرجوكم والفتنة اشد من القتل”. وهذا هو الله يأمر
محمد بمجرد ان قويت شوكته ان يحارب المشركين ويقتلهم حيثما وجدهم.

 

وفي
سورة التوبة، الآية 12: ” وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم
فقاتلوا أئمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون”. وفي الآية الخامسة من
نفس السورة: ” فاذا انسلخ الاشهر الحرم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم
واحصروهم”. وهذه هي آية السيف المشهورة التي قال عنها أبن كثير في تفسيره:
(قال الضحاك بن مزاحم إنها نسخت كل عهد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحد من
المشركين وكل عقد وكل مدة)، وهذه ألآية بمفردها نسخت من القرآن مائة وأربعاً
وعشرين آية. ويقول الزمخشري ان اول آية نزلت في المدينة تبيح القتال، نزلت بعد
اكثر من سبعين آية تحض على التسامح والغفران، اغلبها مكية. ولذا اكثر الآيات الناسخة
مدينية واكثر الآيات المنسوخة مكية.

 

ويقول
الله في سورة الرعد، الآية 39: ” يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام
الكتاب”. ويقول الرازي: إن أم الكتاب هو اللوح المحفوظ، وجميع حوادث العالم
العلوي، والعالم السفلي مثبتة فيه، عن النبي (ص) انه قال: ” كان الله ولا شئ
معه، ثم خلق اللوح، واثبت فيه احوال جميع الخلق الى قيام الساعة”. وفي حديث
عن ابي الدرداء عن النبي (ص) انه قال: ” ان الله في ثلاث بقين من الليل ينظر
في الكتاب الذي لا ينظر فيه احدٌ غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء”. فإذاً
حتى الكتاب المحفوظ (أم الكتاب) عُرضة للنسخ والتغير. وهذا يفسر العدد الهائل من
الآيات المنسوخة في القرآن.

 

 وقد
قسّم علماء الاسلام النسخ الى ثلاثة اقسام: القسم الاول: منسوخ التلاوة دون الحكم،
ويعني هذا أن ألآية مُسحت واُزيلت من القرآن لكن بقي حكمها، والقسم الثاني: منسوخ
التلاوة والحكم، أي مُسحت الآية من القرآن وكذلك أُلقي حكمها، والقسم الثالث:
منسوخ الحكم دون التلاوة، أي بقيت الآية كما هي لكن أُبطل حكمها.

 

فاذا
اخذنا القسم الاول نجد هناك آيات نُسخت تلاوتها ولكن بقي حكمها. فمثلاً قال الحسين
بن المناوي: ” ومما رُفع رسمه من القرآن، ولم يُرفع من القلوب حفظه سورتا
القنوت والوتر، وتُسمى سورتي الخلع والحفد”. وقد نُقل عن ثبوت سورتي الخلع
والحفد في مصحف ابن عباس ومصحف اُبي بن كعب: ” اللهم انا نستعينك ونستغفرك
ونثني عليك، ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم اياك نعبد ولك نصلي ونسجد،
واليك نسعى ونحفد ونرجوا رحمتك، ونخشى عذابك ان عذابك بالكافرين ملحق”

 

لا
شئ في هذه الآيات يستدعي نسخها، فكل ما يُقال فيها ما زال موجوداً في آيات اخرى في
القرآن. فما السبب في نسخها؟ هل حدث هذا ليقلل الله من حجم القرآن ويمنع تكرار ما
هو موجود في سور اخرى؟ وهذا شئ بعيد الاحتمال اذ ان ثلاثة ارباع القرآن تكرار، أم
أن السبب الرئيسي في عدم وجود هذه الآيات في القرآن ان محمداً او الذين جمعوا
القرآن من بعده قد نسي هذه الآيات، بدليل انها موجودة في مصحف ابن عباس ومصحف اُبي
بن كعب. وهذا قد يخلق مشكلة للعلماء المسلمين لان الله تعالى قال: ” انا نحن
نزلنا الذكر وانا له لحافظون”.

 

وهناك
آيات عديدة مثل هذه نُسخت من المصحف لكن حكمها ظل باقياً. فقد قال ابو عبيد: حدثنا
حجاج عن ابن جريح عن حميدة بنت ابي يونس قالت: قرأ عليّ ابي، وهو ابن ثمانين سنة
في مصحف عائشة: ” ان الله وملائكته يصلون على النبي يايها الذين آمنوا صلوا
عليه وسلموا تسليماً، وعلى الذين يصلون الصفوف ألاول”. وهذه ألآية قد اختفت
من المصحف. وعن المسور بن مخرمة، قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف: ”
ألم تجد فيما اُنزل علينا ان جاهدوا كما جاهدتم أول مرةٍ، فإنا نجدها؟” قال
عبد الرحمن: ” سقطت فيما سقط من القرآن “. ولعل اجابة عبد الرحمن بن عوف
تلقي بعض الضوء علي ما حدث، فقد قال عبد الرحمن: سقطت فيما سقط من القرآن، ولم يقل
نُسخت فيما نُسخ من القرآن. فكل النسخ في هذا الباب ليس بنسخ وانما سقوط راجع
للنسيان، وليس هناك اي سبب آخر يجعل الله تعالى ينسخ آيات ويحفظ حكمها

وقال
أبو عبيدة: حدثنا أبن أبي مريم عن أبن الهيعة عن أبي الاسود عن عروة بن الزبير عن
عائشة قالت: كانت سورة الأحزاب تُقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مائتي آية،
فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو ألان

 

وأخرج
الطبراني عن إبن عمر قال: قرأ رجلان سورةً، أقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فكانا يقرآن بها، فقاما ذات ليلةٍ يصليان، فلم يقدرا منها بحرف، فأصبحا غاديين على
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فذكرا ذلك، فقال: إنها مما نُسخ ونُسى، فألهو
عنها.

 

والقسم
الثاني- منسوخ التلاوة والحكم، أي نُسخ الحكم وأُزيلت أللآية من المصحف. وقد حدث
هذا بعلم الرسول، فقد روى عن عبد الله بن مسعود قوله: أقرأني رسول الله (ص) آيةً
فحفظتها وكتبتها في مصحفي، فلما كان الليل رجعت الى مضجعي فلم اُرجع منها بشئ،
وغدوت على مصحفي، فاذا الورقة بيضاء، فأخبرت النبي (ص)، فقال: يابن مسعود تلك
رُفعت البارحة. ومع صعوبة تصديق هذه الرواية، اذ ليس من المعقول ان يُنزل الله
آيةً ثم يكلف نفسه او ملائكته برفعها فعلياً من المصاحف، الا انها تبين لنا ان
هناك آيات ضاعت وضاع حكمها كذلك ولم يعد احد يتذكرها بالمرة، ربما لعدم قراءتها
لفترةٍ فنسيها الناس. فقد قال لنا علماء الاسلام إن النسخ حدث لان الاحكام تغيرت
تدريجياً مثل تحريم الخمر مثلاً، ولكن هذه الآيات التي ذكرنا لم يكن بها حكم ولم
يتغير اي حكم بنسخها، فلماذا نُسحت؟

 

والقسم
الثالث- منسوخ الحكم دون التلاوة هو اكثرهم مادةً وبه اغلب الآيات المتعارف
بنسخها، وعدد السور التي بها آيات نُسخ حكمها ولكن بقيت ألآيات، ثلاثة وستون سورة.
فمثلاً قوله تعالى: ” يايها الذين آمنوا اذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي
نجواكم صدقةً ذلك خيرٌ لكم واطهر، فان لم تجدوا فان الله غفور رحيم” وعندما
نزلت هذه الآية طلب الله من المسلمين، اذا استشاروا النبي، او حضروا مجلسه لأي سبب
ان يقدموا له هديةً. وربما احتج المسلمون او رفضوا دفع الهدية، فنسخ الله الآية
بالآية التي تليها في سورة المجادلة. فنفهم من هذا ان النسخ حدث سريعاً بعد نزول
الآية. فهل يدل هذا على ان الذي انزل الآية لم يفكر في عواقبها، كما قال اليهود في
مكة؟ أم ان الذي اتى بالآية بشر معرض للخطأ مثله مثل السياسيين في زمننا هذا،
يأتون بقرار ويلغونه بعد أيام اذا احتج الشعب عليهم. وما دام الله قد نسخ حكم
ألآية، فما الفائدة من ترك ألآية بالمصحف، لماذا لم تُرفع كما رٌفعت ألآيات في قسم
ألاول: منسوخ التلاوة دون الحكم.؟

 

إن
فكرة أن الله قد نسخ حكم بعض ألآيات ولكن ترك ألآيات بالمصحف، ورفع بعض ألآيات من
المصحف ولكن ترك حكمها باقياً لا تتماشى والمنطق اطلاقاً.

 

ويقول
ابن سلامة: نزول المنسوخ بمكة كثير، ونزول الناسخ في المدينة كثير. فأغلب الآيات
المنسوخة هي من الآيات المكية عندما كان الرسول مستضعفاً واراد ان يُحبب الاسلام
الى اهل مكة بمعاملتهم معاملة لينة متساهلة.

 

وسور
القرآن تُقسم الى ثلاثة اقسام: القسم الاول يحتوي على السور التي بها ناسخ وليس
بها منسوخ، وهذه كلها مدينية ما عدا سورة واحدة (الاعلى) وعددها ستة. وهي الفتح
والحشر والمنافقين والتغابن والطلاق والاعلى. والقسم الثاني هو السور التي دخلها
المنسوخ ولم يدخلها الناسخ، وهي اربعون سورة، اغلبها مكية، واولها سورة الانعام
وآخرها سورة الكافرون. والقسم الثالث هو السور التي دخلها الناسخ والمنسوخ، وهي
خمسة وعشرون سورة، اولها سورة البقرة وآخرها سورة العصر.

 

والنسخ
عادة يكون بآية تنسخ آيةً قبلها في نفس السورة او آية في سورة اخرى، الا الآية 234
من سورة البقرة: ” والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة
اشهر وعشراً”، نسخت الآية التي تأتي بعدها، اي الآية 240 من نفس السورة:
” والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجاَ وصية لأزواجهم متاعاً الى الحول غير
إخراج”. فكيف يستقيم المنطق هنا اذا انزل الله آيةً ينسخ بها آيةً لم تنزل
بعد. لماذا لم يُلغي الآية الاتية قبل ان تنزل اذا كان قد نسخها بآية قد سبق
وانزلها؟

 

والتفسير
الاكثر منطقاً هنا هو ان الله انزل الآية الاولى التي تقول ان المرأة التي مات
زوجها تتربص بنفسها اربعة اشهر وعشرة، ثم اختلط الامر او نسي الكاتب انه سجل الآية
الاولى وكتب الآية اللاحقة التي تقول متاع هذه المرأة الى الحول، اي لمدة سنة
كاملة، وهذه كانت عادة العرب قبل نزول الاسلام، ولما كانت الآية الاولي اقرب الى
آية اخرى تقول ان عدة المطلقة ثلاثة شهور، قالوا ان الآية الاولى نسخت التي تليها،
وهو عكس المنطق.

وقد
يفهم الانسان ان ينسخ الله آيةًً انزلها ولكن ان تنسخ السُنة المحمدية آيةً محكمة
من عند الله، فهذا امر يدعو للاستغراب، خاصة أن القرآن يقول لنا: ” ألر كتاب
أُحكمت آياته ثم فُصلت من لدن حكيم خبير” وكذلك: ” سورةُ أنزلناها
وفرضناها وأنزلنا فيها بينات لعلكم تذكرون” فهاهو الله يقول انه انزل هذه
السورة وفرضها على الناس. ومن الاحكام التي فرضها: ” الزانية والزاني فأجلدوا
كل واحد منهما مائة جلدة”. ولا نجد في القرآن اي آية تنسخ هذه الآية
المفروضة، ولكن لان النبي رجم أمرأةً زنت، اخذت السنة مكاناً ارفع من القرآن ونسخت
آية مفروضة.

 

والمتعارف
عليه ان القرآن يأتي اولاً ثم السنة ثم افعال واقوال الصحابة. ولكن هبة الله بن
سلامة البغدادي يقول قد تُنسخت ألآيات الكريمة بألاحاديث الشريفة. فإذا كان الله
قد قال: ” إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”، فكيف إذاً يكون للحديث
الذي قاله الرسول قوةٌ فوق قوة الله الذي قال انه سيحفظ القرآن كما أنزله.

 

واذا
كان النسخ لاسباب مفهومة لإبدال تشريع مكان آخر لان التشريع الجديد يفيد المسلمين
اكثر، لفهمنا ضرورة النسخ، ولكن ان يكون النسخ لاسباب سياسية لا نفع منها
للمسلمين، يصبح الامر اكثر صعوبة في القبول. فمثلاً عندما كان محمد في مكة وكان
يحاول استمالة اليهود الى دينه الجديد، جعل بيت المقدس قبلته وجعل اليهود وقصصهم
المحور الرئيسي لمعظم سور القرآن التي نزلت في مكة. واستمر يصلي نحو بيت المقدس في
القدس مدة ثلاث عشرة سنة بمكة وحتى عندما هاجر للمدينة وكان يؤمل استمالة يهود
يثرب اليه، ظل يصلي نحو القدس، ولكن بعد مرور سبعة عشر شهراً بالمدينة دون اي نجاح
في استمالة اليهود، نجد محمد قد غير قبلته الى مكة، التي لم يصلي نحوها حتى عندما
كان بها. وعندما سأل الناس لماذا هذا التغير الذي لا يخدم غرضاً، جاء الرد في سورة
البقرة، الآية 142: ” سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا
عليها، قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء الى صراط مستقيم”.

 

هذه
الاجابة تترك السؤال كما هو دون اجابة. نحن نعلم ان لله المشرق والمغرب، والقدس لا
تخرج من هذه الاتجاهات، فلماذا التغير؟ لماذا لم يستمر يصلي نحو المقدس ما دام لله
المشرق والمغرب وليس مهماً في أي إتجاه تصلي؟ وحتى هذه ألآية نُسخت فيما بعد
بألآية: ” فول وجهك شطر المسجد الحرام”.

 

والجواب
الثاني في الآية 143 من نفس السورة ليس مقنعاً اكثر من الاول: ” وما جعلنا
القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه”. فالله
قد امر محمد ان يصلي في اتجاه القدس لمدة تقارب خمسة عشر عاماً ليعلم من يتبع
الرسول ومن ينقلب على عقبيه؟ لم ينقلب اي شخص اسلم عندما كانت القبلة نحو بيت
المقدس وصلى كل المسلمون اليها ولم ينقلبوا. ثم ان الله يعلم ماذا سيفعل كل شخص
قبل ان يخلقهم، فكيف سيختبرهم بجعل القبلة نحو بيت المقدس؟

 

ثم
جاء جواب ثالث في الآية 144: ” قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلةً
ترضاها، فولي وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره”. فاذاً
تغير القبلة كان لان محمد لم يرض القبلة الاولى التي صلى عليها ما يقارب الخمس
عشرة سنة. فلماذا لم يقل لله من قبل انه لا يرضى هذه القبلة، ولماذا لم يعلم الله
أن رسوله لا يرضى هذه القبلة؟ ولما استمر اليهود في سخريتهم من تغير القبلة،
اجابهم بالآية 145: ” ولئن اتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك
وما انت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض”. فإذاً هذا تأكيد انه صلى
نحو بيت المقدس ليستميل اليهود، ولكن الله أخبره انه حتى لو أتاهم بكل المعجزات
فلن يتبعوا قبلته الجديدة. والواقع ان القدس هي قبلة اليهود والنصارى كذلك وكانت
قبلة المسلمين لفترةٍ طويلة. فاذن القول ” وما بعضهم بتابع قبلة بعض”
ليس صحيحاً. وهذه ألآية تكاد تكون نفس سورة ” الكافرون” التي نزلت بمكة
في بداية الوحي: ” قل يايها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما
أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم”.

 

وعندما
يئس محمد من استمالة اليهود حاول استمالة قريش بالجلوس في مجالسهم وقراءة القرآن
لهم. وفي احد هذه المجالس كان يقرأ سورة النجم ولما جاء للآية 19 قرأ: ”
أفرايتم اللآت والعُزى، ومناة الثالثة الاخرى، تلك القرانيق العلى وان شفاعتهن
لترجى”. فرح عندئذ القرشيون وقالوا ان محمداً قد اعترف بآلهتنا ولا بأس من
الدخول في دينه. غير ان النبي تنبه لما قد قال، فنسخ الجزء الاخير من الآية وقال
هذا ألقاه الشيطان عليّ. فسميت هذه الآيات بالآيات الشيطانية. وعندما اشتد الحزن
بالنبي علي ما فعل، انزل الله اليه الآية 52 من سورة الحج: ” وما ارسلنا من
قبلك من رسولٍ ولا نبي الا اذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يُلقي
الشيطان ثم يُحكم الله آياته”.

 

فإذاً
الشيطان قد تدخل في الوحي الذي ارسله الله لكل الانبياء والرسل قبل محمد، ولكن
الله نسخ ما قاله الشيطان. لماذا يصبر الله على الشيطان هذا الصبر الكثير، ولماذا
لم يجد الله طريقة اكثر ضماناً لايصال الوحي الى انبيائه دون ان يجد الشيطان
طريقةً ليتدخل مما يضطر الله ان ينسخ الآيات التي قالها الشيطان. فقد رأينا الله
يُرسل شُهباً لتحرق الشياطين وتمنعهم من استراق السمع للملائكة، أليس من السهل على
الله ان يجد طريقة مماثلة لحماية وحيه لأنبيائه؟ وقد قال الله في الآية المذكورة:
” ثم يُحكمُ الله آياته”، أي بعد ان ينسخ ما ادخله الشيطان، يُحكم
آياته. أليس الافضل ان يُحكم الآيات قبل ان ينزلها حتي لا يستطيع الشيطان التدخل
فيها؟ ونحن نعلم ان الله اذا أراد شيئاً ان يقول له كُن، فيكون. لماذا إذاً لم يقل
الله للشيطان ” قف، ولا تعبث بآياتنا”، أو اي شئ من هذا القبيل. خاصة ان
الشيطان قد غير الوحي لكل الانبياء قبل محمد، وقد رأينا من قبل ان الشياطين كانوا
يسترقون السمع عندما كان الله يتكلم مع الملائكة قبل ان يبعث محمد، ولما بعث
محمداً حرس السماء بالشهب حتى لا تسترق الشياطين السمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار