اللاهوت الروحي

برنابا مسيحى مثالى



برنابا مسيحى مثالى

برنابا مسيحى مثالى

ريتشارد توماس

 

برنابا
مسيحيٌّ مثالي

وردت
لفظة “مسيحي” مفرداً أو جمعاً ثلاث مرات في العهد الجديد. فيخبرنا سفر
أعمال الرسل 11: 26 »دُعِيَ التَّلَامِيذُ »مَسِيحِيِّينَ« فِي أَنْطَاكِيَةَ
أَّوَلاً« ثم في أعمال 26: 28، نقرأ قول أغريباس لبولس: »بِقَلِيلٍ تُقْنِعُنِي
أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيّاً«. وأخيراً يكتب الرسول بطرس في رسالته الأولى 4: 16
»وَلكِنْ إِنْ كَانَ (يتألّم) كَمَسِيحِيٍّ فَلَا يَخْجَلْ، بَلْ يُمَجِّدُ اللّهَ
مِنْ هذَا الْقَبِيلِ«. فمهما كان مفهومنا لهذه الكلمة الشائعة، فإننا نستدلّ من
هذه الآيات الكتابية أنّ خبرة المسيحي تنطوي على دعوة واقتناع، وأيضاً على نضال
كثيراً ما يكون أليماً.

 

قد
يجوز أن نبحث موضوع المسيحيّة أو دور المسيحي بطريقة نظرية جافة. ولكن عوضاً عن
ذلك، دعنا نلقي نظرة على حياة مسيحيٍّ مثاليّ هو الرسول برنابا. أما الآيات
المنوطة بالبحث فهي أعمال 4: 32-37 و9: 26-27 و11: 22-26 و13: 1-3 و14: 11 و15: 36-39
و1 كورنثوس 9: 6.

 

وسفر
الأعمال هو أعظم سجلّ لما يحويه من مآثر في التاريخ. ففيه نتعرّف على أبطال
الإيمان وعلى رحلاتهم المحفوفة بالخطر التي أُنجزت بقوّة روح الله.

 

وأيّ
مؤمن لا بد أن يشعر بشيء من اليأس إذا هو حاول أن يقيس حياته بحياة أبطال العهد
الجديد، وهو يتأمّل غيرة الرسل وبسالتهم وصمودهم. بينما نحن اليوم نُبدي دلائل
التواني والجبن. إلاّ أن هذا اليأس يمكن تخفيفه وتلطيفه باعتبارَين: أولاً لأن
الله يهتمّ لا بنجاحنا البالغ، بل بأمانتنا »نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ
الصَّالِحُ وَالْأَمِينُ. كُنْتَ أَمِيناً فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى
الْكَثِيرِ« متى 25: 21) قد يمنحنا الرب النجاح أو يمنعه عنّا. ولكن لا مناص من
الصلاح والأمانة لِمَن يريد أن يُرضي الله.

 

ثانياً
كان عدد المؤمنين الشهيرين البارزين في العهد الجديد قليلاً جداً لا يتجاوز
العشرين. أولئك أثّرت حياتهم بطريقة عجيبة في الكنيسة.

 

فنحو
عام 90 م. كان يزيد عدد المسيحيّين المؤمنين في عالم البحر المتوسّط على المليون.
فلا نسمع شيئاً عن هؤلاء المجهولين. بَيْد أن الله كان يهتم بهم اهتماماً أكيداً.
يعرف الآب السماوي أولاده فرداً فرداً ويسهر علينا جميعاً، كما نسهر نحن على نموّ
أولادنا وعلى مصالحهم من الوجهة الجسدية والعقلية والروحية. لربما لا يُسجَّل اسم
أحد منا في سجل التاريخ المدني ولا في التاريخ الكنسي، لكننا معروفون لدى الله أحبّاء.
وسوف نمجَّد إذا كانت أسماؤنا مكتوبة في سفر الحياة.

 

برنابا
من أظرف شخصيّات الكتاب المقدس. أعتبره أنا كالمسيحي المثالي لأنّه كان متواضعاً
متطوّعاً سخياً صامداً في تصميمه. وكلّ ما عمله نستطيع أن نعمله نحن أيضاً، إذا
كانت حياتك يا قارئي مكرّسة تماماً للرب وكنتَ ممتلئاً من روحه القدوس.

 

كان
الأقدمون يعتبرون أن اللقب يدلّ على الشخصية. فكلمة برنابا تعني ابن التعزية
والتشجيع. فكان له موهبة يثير بها الإيمان والغيرة في الآخرين. يعزّي الحزانى
ويشجّع الجبناء. هل تحاول أنت أن تعزّي معارفك وتشجّع أصدقاءك؟ طريق الإيمان ضيّق،
والذين يسيرون فيها معرّضون للعثرات. ويا للأسف أنّ هناك مسيحيّين عديدين يعوقون
سبيل إخوتهم وأخواتهم بالعراقيل، ويطفئون الروح القدس في حياة الآخرين (1
تسالونيكي 5: 19).

 

وبرنابا
هذا كان من زمرة الذين اهتدوا باكراً في يوم الخمسين أو بعده بقليل، وكان من أوائل
الذين باعوا ممتلكاتهم وشاركوا الإخوة بها، إذ نقرأ في أعمال 2: 45
»وَالْأَمْلَاكُ وَالْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا
بَيْنَ الْجَمِيعِ، كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِيَاجٌ«.

 

لقد
حاز ممتلكات أكثر من غيره. فكانت تضحيته أبرز من سواها. باع كلّ ما له وألقاه عند
أقدام الرسل. لذا يُذكر اسمه تصريحاً كمثالٍ للجميع.

 

وهناك
نقاط ثلاث تخطر على البال حين نتأمّل حياة برنابا:

1
مشاركة المال

2
مشاركة الرسالة

3
مشاركة النفس

 

شارك
برنابا الآخرين بأملاكه

بعد
قيامة المسيح وموعظة بطرس الأولى، عقب حلول الروح القدس يوم الخمسين، آمن برنابا
القبرصي الأصل على أثر التبشير الرسولي. ونقرأ في أعمال 11: 24 أنه كان رجلاً
صالحاً. بيد أنه لم يكتفِ بكونه مسيحياً صالحاً، فأراد أن يعبّر عن إيمانه الحيّ
المُخْلص بطريقة جليّة معيّنة. لم يكن من الممكن أن يصبح فيما بعد مُرسلاً، كما
صار في الواقع، لو لم يبِع أملاكه ويعطيها للمحتاجين.

 

قال
يسوع وهو يحزن على الشاب الغني: »مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الْأَمْوَالِ إِلَى
مَلَكُوتِ اللّهِ!« (مرقس 10: 23) بعدما أوصاه »بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ
الْفُقَرَاءَ« مرقس 10: 21). فما لم يفعله ذلك الشاب فعله برنابا. باع كل ما له
وتبع يسوع بلا رجوع.

 

يكون
البعض مسيحيّين ممتازين إلى أن تمسّ جيوبهم! وبعدئذٍ يتحوّلون إلى بخلاء وبؤساء.
أَليس هذا ما نتعرّض له في شرقنا الأوسط، ولهذا تعرج كنائسنا وتترنّح.

 

عمليّة
برنابا تشبه في سخائها تقدمة تلك المرأة المجهولة التي أقبلت إلى يسوع بقارورة طيب
من الناردين الخالص كثير الثمن (مرقس 14: 3) وسكبت محتوياتها على رأسه. فقال عنها
الرب: »حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الْإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ
أَيْضاً بِمَا فَعَلَتْهُ هذِهِ، تَذْكَاراً لَهَا«. وحيثما يُكرَز بكلمة الله
هناك يسمع الناس بما فعله برنابا. لقد قبل يسوع تلك التقدمة المندفعة من المرأة
الرقيقة الفؤاد، وقبل أيضاً سخاء برنابا العملي.

 

قال
الفيلسوف برتراند رَسِل إن الشيوعيّة استمدّت اهتمامها بالكادحين المظلومين من
المسيحيّة، كما أنها استمدّت رؤيتها بأن العالم سوف ينعم نوعاً ما بأحوال مثاليّة
فاضلة. واستند الاشتراكيّون المسيحيّون إلى هذه الفقرة لتبرير موقفهم. ولكن علينا
أن نلاحظ ثلاثة أمور في هذا المجال.

 

إنّ
اشتراكيّة أعمال الرسل كانت:

(أ)
محدودة ضمن نطاق عدد معقول من المشتركين، كانوا كلّهم مؤمنين.

(ب)
كانت الشركة تطوُّعية وليست إجبارية.

(ج)
كان الدافع الأصيل إليها المحبّة للمسيح وللآخرين.

 

مع
كلّ هذا فلم يتلقَّن معظم المؤمنين درس العطاء ومشاركة إخوتهم الفقراء في الخيرات
التي منحها الربّ لهم. وعلى قول أحدهم »المال كالسماد لا يصلح إلاّ إذا توزّع على
الأرض« البخيل يتمسّك بماله وتفوح منه رائحة كريهة، والمبذِّر يبذّر ماله مسبِّباً
الضرر لنفسه. أمّا المسيحيّ المتكامل الحكيم فيشارك الآخرين بماله، وهكذا يحرز
أرباحاً اجتماعيّة وروحيّة كبيرة.

 

رنّم
داود في المزمور الثالث والعشرين عدد 1 »اَلرَّبُّ رَاعِيَّ فَلَا يُعْوِزُنِي
شَيْءٌ«. شاركت الكنيسة الأولى بثروتها »لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ مُحْتَاجاً«
أعمال 4: 34

 

لم
يشارك برنابا الآخرين بممتلكاته وحسب، بل شاركهم برسالته أيضاً

 

هذه
الرسالة هي الإنجيل الذي كان قد وصله بفم الرسل. وصلته البشارة لأن آخَر كان قد
شاركه بالخبر السار، وجوهره: أن الربّ يسوع مات عن خطايانا وقام من الأموات
ليخلِّصنا. في أعمال 11: 24 نقرأ أن برنابا كان يعظ الأنطاكيّين بأن يثبتوا في
الربّ. وعلَّم يونانيين ويهوداً عديدين »فَانْضَمَّ إِلَى الرَّبِّ جَمْعٌ غَفِيرٌ«.

 

ينزعج
البعض حين يمسّ الواعظ جيوبهم ويطلب العطايا. إلاّ أن الآخرين يساهمون بملء الرضا
في كلّ مشروع لتمويل الكنيسة والمؤسّسات الإرساليّة. ولكنّهم يخمِّنون أنّهم فعلوا
كلّ واجبهم بمساهمتهم هذه.

 

هناك
كثيرون من معاصرينا لا يحتاجون إلى تبرعات ماليّة ومساعدات مادية، بل يحتاجون إلى
كلمة من السماء تسُدّ حاجاتهم الروحيّة، كلمة مسيحيّة معزّية مخلصة.

 

إنّ
الزوجة لا تكتفي بقسط المال الذي يقدّمه الزوج لها في أوائل الشهر، ولا حتّى
بالهدايا القيّمة التي يهديها إليها في مناسبات خاصّة، بل تشتاق إلى كلمة مودّة: »أنا
أحبّك« وتريد أن تسمع هذا القول مراراً.

 

فالشهادة
التي تؤدّيها من أجل يسوع تعادل القول: »أنا أحبّك« بالنسبة إلى الخاطئ الهالك.
وهي أيضاً كلمة محبّة موجَّهة إلى الربّ يسوع لأنها تعبّر عن محبّتنا للربّ بإظهار
المحبّة للبشر، وكأنّنا نقول لهم: »أنا أحبّك لأنّ الربّ يسوع يحبّك. ومن أجله جئت
لأخبرك بهذا الخبر السارّ: أنه أحبّك إلى المنتهى ومات ليفديك«.

 

أجل،
إن العقيدة المسيحيّة تحوي أكثر من هذا الموجز البسيط. إلاّ أن هذا يظلّ جوهر
البشارة.

 

وهكذا
نعود إلى أخينا برنابا الذي لم يشارك المحتاجين بأمواله فقط، ولم يشارك الهالكين
برسالته فقط، بل: شاركهم بنفسه أيضاً

المحبّة
هي الشيء الوحيد الذي يتزايد عندما يتوزَّع. كان بإمكان برنابا أن يتفاخر ببِرّه
الباهر وهو يتأمّل كلَّ ما فعله لأجل الربّ والكنيسة. غير أنّه كان رجلاً صالحاً
وممتلئاً من الروح القدس والإيمان (أعمال 11: 24) يشجِّع الآخرين ويثبّتهم، ويبذل
نفسه ويضحّي بحياته في سبيل ذلك.

 

وأذكر
هنا مَثَلين على تلك الغيرة:

 جاء
شاول (أي بولس) إلى القدس بعد اهتدائه التاريخيّ في الطريق إلى دمشق، وحاول أن
يلتصق بالتلاميذ، ولكنهم خافوا منه وشكوا فيه (أعمال 9: 26). أَما برنابا فأخذ بيد
شاول ودافع عنه وقدّمه للرسل، وضمِن لهم صحة اختباره في الإيمان. في الواقع أعطى
برنابا قلبه ونفسه إلى بولس.

 

لم
يكن بولس محتاجاً إلى مال برنابا، ولا إلى رسالته، إذ كان قد صار مؤمناً في وقت
سابق، وكان يشهد بجسارة أينما وُجِد، لكنّه كان بأمسّ الحاجة إلى صداقة برنابا
ومودّته. وقدّم له برنابا هذه الصداقة وهذه المودّة بغير تحفّظ.

 

 أرسلت
الكنيسة الأنطاكية برنابا وبولس كوفد إرساليّ ليبشّرا في آسيا الصغرى، ورافقهما
يوحنّا مرقس. غير أن هذا الشاب تركهما في مدينة برجة بمفيلية (أعمال 13: 13)
عائداً إلى القدس. فضجر بولس من مرقس واعتبره خائناً للقضيّة الإرساليّة. استاء
منه ورفض أن يسامحه.

 

ثمّ
تابع بولس وبرنابا رحلتهما التبشيريّة في بمفيلية وبيسيدية ووصلا إيقونية. هناك
شفيا رجلاً عاجز الرِّجلين (أعمال 14: 8). وأثارت هذه المعجزة الدهشة بين
المواطنين فصرخوا: »إِنَّ الْآلِهَةَ تَشَبَّهُوا بِالنَّاسِ وَنَزَلُوا
إِلَيْنَا«. فَكَانُوا يَدْعُونَ بَرْنَابَا »زَفْسَ« وَبُولُسَ »هَرْمَسَ« إِذْ
كَانَ هُوَ الْمُتَقَدِّمَ فِي الْكَلَامِ« (أعمال 14: 11 و12). وزفس هذا كان يُعدّ
رئيس الآلهة حسب عقائد اليونان الوثنيّة. لربّما كان برنابا طويل القامة ذا هَيْبة،
بينما بولس كان قصيراً بليغ اللسان.

 

بعدئذٍ
رجع الاثنان إلى القدس حيث انعقد المجمع الكنسيّ الأول عام 50م كما هو مذكور في
أعمال 15. ودافع بولس وبرنابا هناك عن حقّ المسيحيّين الأمميّين في الشركة الكاملة
مع سائر المؤمنين دون تمييز، فأقرّ المجمع بعدم فرض الطقوس اليهوديّة على غير
اليهود. وعلى أثر المجمع انطلق الاثنان إلى أنطاكية، وهي المركز الإرساليّ. هناك
أقاما يعلّمان ويبشّران بكلمة الربّ (أعمال 15: 34).

 

لم
يرتح بولس إلى هذه الحالة المشجّعة. ولماذا؟ لأنّ عدد المؤمنين في أنطاكية كان
كبيراً، بينما الحصاد في آسيا الصغرى كثير والفعلة قليلون. فاقترح بولس على زميله
أن يعودا ويتفقّدا الإخوة في كل مدينة بشّرا فيها بكلمة الرب قبلاً، ويستعلما كيف
هم. فأراد برنابا أن يمنح مرقس فرصة ثانية ليخدم الربّ ويبرهن على غيرته وإخلاصه.
أما بولس فكان يستحسن أن الذي فارقهما في برجة بمفيلية ولم يذهب معهما للعمل، لا
يأخذانه معهما. فحصلت بينهما مشاجرة، وأدّى هذا الاختلاف إلى افتراق أحدهما عن
الآخر. فأخذ برنابا مرقس وأقلع إلى قبرص، بينما اختار بولس سيلا وانطلق إلى
كيليكية.

 

قد
تحدث بين المؤمنين اختلافات لأسباب إداريّة تتعلّق بالشخصيّات والنفسيّات، غير أن
الله يحوّلها إلى مجده، شرط أن تكون النيّة طيّبة، وأن يكون الدافع خدمة الله
بإخلاص. كانت هناك علاقات عائليّة بين برنابا ومرقس. ورغم هذا – ومع كلّ احترامنا
لبولس الرسول – نقول إنّ برنابا ظهر في هذه المناسبة مؤمناً أفضل وألطف من بولس.
فلو لم يهتمّ برنابا بمرقس ولم يسانده بالتسامح والترحيب، لكُنَّا قد فقدنا البشير
مرقس وفقدنا إنجيله الكريم، إذ أنّ المؤمن المخذول المحتقَر لا يمكنه أن ينمو في
الإيمان ولا أن يتقدّم في حياة الروح.

 

هكذا
نرى أن موقف برنابا من بولس أولاً ومن مرقس ثانياً كان موقف الأخ الحبيب الذي
يرحّب ترحيب القلب الفيّاض ويعطي نفسه.

 

وأيَّد
بولس أيضاً موقف برنابا بعد ذلك، حين قال في 2تيموثاوس 4: 11 »خُذْ مَرْقُسَ
وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ لِأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ«. وهذا بعد مرور خمس عشرة
سنة.

 

ويُذكر
اسم برنابا أيضاً في الرسالة الأولى إلى كورنثوس 9: 6. ونفترض من هذه الآية أنّه
ظلّ عازباً كما كان الحال مع بولس زميله.

 

منّا
من يعتبر نفسه مؤمناً سخيّاً. وآخرون يحسبون أنفسهم شهوداً غيورين يؤدّون الرسالة
بمروءة. ولكنّنا في نهاية الأمر يجب أن نكون جميعاً مؤمنين متواضعين نعطي أنفسنا
للربّ والإخوة والناس. هكذا نتماشى مع القصد الإلهيّ.

 

أَلَمْ
يفعل الآب السماويّ هكذا معنا؟ أعطانا من خيراته. وقدّم لنا رسالته الكلمة
الأزليّة وخبز الحياة. وفوق كل شيء أعطانا أغلى ما عنده حين بذل ابنه الوحيد
الحبيب من أجلنا.

 

»اَلَّذِي
لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لِأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لَا
يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ!« رومية 8: 32).

 

دعنا
نختم هذه الدراسة وتأمّلاتنا في حياة برنابا بقصّة واقعيّة: كان لرجلٍ أرمل غنيّ
في نيوزيلندا ابن شابّ يعتزّ به ويعزّه كثيراً. وطلب الأب من فنّان أن يرسم له
صورة ابنه بالألوان على لوحة زيتيّة. ثم علّق هذه الصورة في الصالة. وقبل بلوغ
الابن سنّ العشرين توفّي. فانسحق قلب الوالد انسحاقاً تاماً، وكان يحدّق في الصورة
ويتألّم حزيناً على الدوام. وأخيراً مات الأب العجوز.

 

عيّن
المحامي يوماً ليقرأ فيه وصيّة الوراثة، فاجتمع الأقارب والمعارف متوقّعين أن
يحصلوا على قسطٍ من المال. وأعلن المحامي أولاً أن أثاث البيت يُباع بالمزاد. فبيع
كلّ ما كان في البيت سوى صورة الابن. وحاول الدلاّل أن يبيعها بالمزاد فلم ينجح.
ولكن قبل أن يضع الدلال الصورة جانباً، وقف خادم البيت المسنّ وقال: »كنتُ أعرف
الشاب وأُحبّه، وخدَمْته منذ طفولته. فأنا أشتري الصورة«. وإذ ذاك أشار المحامي
أنّه يريد أن تُقرأ الوصيّة حالاً. فقرأ الدلاّل: »من يأخذ الصورة يحصل على كلّ
الثروة«. وتحوّل المال كلّه إلى الخادم العجوز!

 

من
يقبل الابن يحصل على جميع بركات الله، وعلى رأسها الحياة الأبديّة. لأنّه بإعطائه
ابنه لنا قد أعطانا كل ما كان بوسعه أن يعطي، ولا أحد يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار