اللاهوت الطقسي

الفصل الرابع



الفصل الرابع

الفصل الرابع

تقديس الكهنة

كلمة تقديس معناها إنفصال عن الخطية إلى الله
القدوس (لاويين20: 26) والتقديس له جانبين الأول هو عمل الله، والثانى هو
دور البشر أن يمتنعوا عن الخطية.

بعد أن أعطى الله موسى مواصفات ملابس هارون رئيس
الكهنة وبنيه الكهنة، لقنه طقوس رسامتهم وتقديسهم للخدمة الكهنوتية. (خروج 29:
1-46،40: 12-15، لاويين 8: 1-36)
وقد أمر الله عبده موسى بأن يقوم هو برسامتهم
بصفته رئيساً وكاهناً مختاراً من الله ووسيطاً للشعب أمام الله، فهو الذى شهد له
المزمور: “موسى وهارون بين كهنته، وصموئيل بين الذين يدعون باسمه”
(مزمور 99: 6) وهذه هى خطوات رسامتهم كما حددها الرب:

(1) إعداد الذبائح والتقدمات اللازمة لتقديسهم.

(2) تقديم هارون وبنيه إلى باب خيمة الاجتماع.

(3) غسلهم بماء.

(4) إلباسهم الثياب المخصصة لهم للخدمة.

(5) مسح رئيس الكهنة بدهن المسحة.

(6) ملء أيديهم.

(7) تقديم الذبائح الخاصة بتقديسهم لمدة سبعة
أيام.

(8) الأكل من كبش الملء.

أولاً:
إعداد الذبائح والتقدمات اللازمة لتقديسهم:

فقد كان على موسى أن يُعَّد كل ما يلزم لطقس
الرسامة: فيقوم باختيار ثور صحيح وكبش بلا عيب، وتجهيز خبز فطير وأقراص فطير
ملتوتة بزيت ورقاق فطير مدهونة بزيت. كما كان عليه أن يُعَّد ثياب الكهنة ودهن
المسحة، ويجمع كل الجماعة إلى باب خيمة الاجتماع، تحقيقاً لأوامر الله اذ كانت
تسبحة (لاويين 8) المتكررة “هذا ما أمر الله أن يفعل” ع
5
، أو “كما أمر الرب موسى”
ع 4و13و17و21و29و36
.. الخ

لم يكن لموسى النبى حق التصرف فى إختيار الكهنة
ولا فى تدبير طقس تكريسهم إلا حسب خطة الله وتدبيره.

ثانيا ً:
تقديم هارون وبنيه إلى باب خيمة الاجتماع:

أما مكان الرسامة فهو عند باب خيمة الاجتماع (خروج
29: 4، لاويين 8: 6)
حيث الموضع الذى سيُمارس فيه الكهنة خدمتهم أمام الله من
أجل الشعب. فهناك فى حضرة الرب وأمام كل الجماعة يتم تقديسهم لخدمة الكهنوت، ولكى
يقفوا نيابة عن الشعب ويتوسَّطوا له لدى الرب فى تقديم ذبائحهم لأجل الصفح عنهم
ومغفرة خطاياهم، لحفظ العهد الذى قطعه الرب مع شعبه ليكون لهم إلهاً ويكونوا له
مملكة كهنة وأمة مقدسة.

لاحظ بعض الدارسين أن كلمة إجتماع هنا
بمعنى “ كنيسة ” أو “ إكليسيا ” قد وردت هنا لأول مرة فى الكتاب
المقدس، وكأن الكنيسة تجتمع لأول مرة عند المسحة لتعلن عن وجودها خلال كاهنها ربنا
يسوع المسيح الممسوح رأساً لها، فلا وجود للجسد إلا خلال اتحاده بالرأس.

ثالثاً: غسلهم
بماء:

ثم كان أمر الرب لموسى أن يغسلهم بالماء (خروج
29: 4، لاويين 8: 6)
قبل أن يلبسوا ثيابهم الكهنوتية لأول مرة تمهيداً
لرسامتهم. وقد جاء فى الترجوم أنه كان يتم غمر الجسم كله فى الماء ([1])
وكان هذا فى حوض معد ومن وراء حجاب. بخلاف ما كان يتم قبل غسل الأيدى والأرجل فقط
فى المرحضة التى عند مدخل القدس قبل كل الخدمات اليومية فى الخيمة. وهذا الغسل
السابق للرسامة ولبس الثياب بالنسبة لرئيس الكهنة، هو رمز لمعمودية المسيح فى نهر
الأردن قبل أن يبدأ خدمته منادياً بالتوبة واقتراب ملكوت الله. أما بالنسبة
للكهنة، فهو رمز للمعمودية لجميع المؤمنين التى هى موت مع المسيح وقيامة معه، وخلع
للإنسان العتيق ولبس للجديد، كقول القديس بولس: “أم تجهلون أننا كل من
اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فُدفنا معه فى المعمودية للموت، حتى كما أُقيم
المسيح من الأموات، بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضاً فى جدَّة الحياة”
(رومية
6: 3و 4)
، وقوله أيضاً: “لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم
المسيح”
(غلاطية 3: 27).

ويعلِّق العلامة أوريجانوس على ذلك
قائلاً:

[ بالحق لا يمكننا أن نلبس ما لم نغتسل
أولاً.إذن “اغتسلوا، تنقوا، اعزلوا شر أفعالكم” (إشعياء 1:
16)
فإن لم تغتسل هكذا لا تقدر أن تلبس الرب يسوع كقول الرسول: “البسوا
الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيراً للجسد لأجل الشهوات”
(رومية 13:
14)
ليغسلك موسى، وليلبسك بنفسه. كيف يغسلنا موسى؟! موسى فى الكتب المقدسة
يمثل الناموس، كما قيل فى الإنجيل “عندهم موسى والأنبياء ليسمعوا منهم” (لوقا
16: 29)
إذاً ناموس الرب هو يغسلك ويُذيب دنسك إن أصغيت له.. يامن تريدون
التمتع بالمعمودية المقدسة ونوال نعمة الروح يلزمكم أن تتنقوا بالناموس، أى تسمعوا
كلمة الرب وتنزعوا عنكم رذائلكم الطبيعية، وتلطفوا طبائعكم المتوحشة، وحتى متى حصلتم
على الإتضاع والوداعة تتمتعون بنعمة الروح القدس.

يقول الرب بواسطة الأنبياء “أى مكان
راحتى؟!..إلى هذا أنظر إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامى”
(إشعياء
66: 1و2)
فإن لم تكن وديعاً ومتواضعاً وتقبل كلام الرب برعدة لا تكن فيك نعمة
الروح، إذ يهرب الروح القدس من النفس المتكبرة المنافقة] ([2]).

 

رابعاً:
إلباسهم الثياب المخصصة لهم للخدمة:

بعد غسلهم بالماء، يقوم موسى بإلباس هارون أولاً
ثياب الخدمة بكاملها (خروج 29: 5و6و8و9، لاويين 8: 7-9) لكى يظهروا أمام
الله لا بلباس من أوراق التين كآدم الأول، ولا بأقمصة من جلد حيوان يعلن حاجتهم
للتستر، إنما يلبسون السيد المسيح نفسه، ويختفون فيه بكونه الكاهن الأعظم الذى
يعمل فى كهنته.وكما يقول القديس يوحنا ذهبى الفم: [ الرب نفسه هو الذى يعمل وهو
الذى يقدم الكل ] ([3])،
[ نحن نقوم بدور الخدم، لكنه هو نفسه الذى يبارك، وهو الذى يحوَّل القرابين] ([4]).

ثم يأخذ موسى دهن المسحة ويسكبه على رأس هارون
ويمسحه أما بنو هارون فيلبسهم ثياب الخدمة الخاصة بهم، إلاَّ أنهم لا يُمسحون الآن
بدهن المسحة مثل هارون رئيس الكهنة.

 

V دهن المسحة: ANOINTING OIL

كان من أبرز الطقوس طقس المسح، وهو صب الزيت أو
الدهن المقدس على الشخص أو الشئ أو المكان لتكريسه، وقد ورد فى (خروج 22: 30 –
33)
وصف لتركيب الدهن، الذى يلزم أن يدهن به كل الخيمة وأدواتها لكى تتقدس
وتصير معدَّة لحلول الرب وسط شعبه، والذى يلزم أيضاً لتكريس هارون وأبنائه الكهنة
وتقديسهم لكى يصيروا أهلاً لخدمة الكهنوت، فقد قال الرب:

“وأنت
تأخذ لك أفخر الأطياب، مرّاً قاطراً خمسمائة شاقل([5])،
وقرفة عطرة نصف ذلك مئتين وخمسين، وقصب الذريرة مئتين وخمسين، وسليخة خمسمائة
بشاقل القدس. من زيت الزيتون هيناً ([6])
وتصنعه دهناً مقدساً للمسحة، عطر عطارة صنعة العطار، دهناً مقدساً للمسحة يكون.
وتمسح به خيمة الاجتماع وتابوت الشهادة، والمائدة وكل آنيتها والمنارة وآنيتها
ومذبح البخور، ومذبح المحرقة وكل آنيته والمرحضة وقاعدتها. وتقدسها فتكون قدس
أقداس، كل ما مسّها يكون مقدساً. وتمسح هارون وبنيه وتقدسهم ليكهنوا لى. وتُكلم
بنى إسرائيل قائلاً: يكون هذا لى دهناً مقدساً للمسحة فى أجيالكم، على جسد إنسان
لا يُسكب، وعلى مقاديره لا تصنعوا مثله. مقدس هو ويكون مقدساً عندكم. كل من ركب
مثله ومن جعل منه على أجنبى، يقطع من شعبه” (خروج 30: 22-33)

وأول ما نلاحظه قول الرب لموسى: “وأنت تأخذ لك”، وهذا يعنى أن الرب
يطلب من موسى شخصياً أن يقوم بنفسه بصنع دهن المسحة، مما يدل على قدسية هذا الدهن
وأهميته، ولأن موسى بنفسه هو الذى سيقوم بمسح خيمة الاجتماع بكل محتوياتها، وكذلك
مسح هارون وبنيه لتقديسهم ليكهنوا للرب.

ويتركب الدهن من أربعة أصناف من أفخر الأطياب،
مطبوخة طبخ عطارة فى زيت زيتون.

 

1 – مرّ
قاطر،
(Liquid Myrrh).

وهو صمغ يسيل من شجرة من عائلة التربنتين Terebinth وهناك طرقتين للحصول عليه:

ا – يسيل طبيعاً أى يقطر من تلقاء ذاته
(هذا سبب تسمية قاطر) وهذا يُجمع ويكون نقياً جداً، وحينما يجمد يكون لونه أحمر
صافياً. وحينما ينكسر، ينكسر فى نقط بيضاء وهذا هو النوع الفاخر، النقى الخالص،
الذى يقطر من تلقاء ذاته.

ب – هى بجرح الشجرة أى بشرطها بسكين.

وهو ذو رائحة طيبة نفاذة، ولكن طعمه شديد
المرارة. وكان يُستعمل كعطر وكدواء لتخفيف الألم وتسكينه (مرقس 15: 23)
والعجيب أن هذا المّر قد ذُكر ثمانى مرات فى سفر نشيد الأناشيد، مما يشير إلى
إرتباطه بدلائل المحبة المقترنة بالألم، لأنه لا يوجد حب حقيقى بلا بذل وبلا ألم.

وهو حين يقطر من تلقاء ذاته يشير للمسيح لقبوله
الآلام بإرادته حتى الموت وحين يقطر بجرح الشجرة يشير لطعن المسيح بواسطة البشر،
وفى الحالتين يُخرج رائحة طيبة، وطعم المرّ اللاذع يشير لآلام الرب يسوع.

كان المرّ هو أحد هدايا المجوس للرب يسوع (متى
2: 11)

 

2 – قرفة
عطرة،
(Fragrant Cinnamon):

يظهر من تحديد نوعها بأنها قرفة عطرة، أن هناك
أنواعاً من القرفة، بعضها غير عطرة.والقرفة العطرة تُستخرج من لحاء شجرة دائمة
الخضرة ليس لها وقت تذبل فيها، والمسيح كان ناضراً دائماً كشجرة مغروسة عند مجارى
المياه (مزمور 1: 3).

وقد جاء ذكر القرفة أيضاً فى سفر نشيد الأناشيد
فى وصف العريس لعروسه (4: 14) وهى أيضاً فى خضرتها الدائمة مع رائحتها العطرة
النفاذة، ترمز إلى المحبة الثابتة التى لا تتغير.

ولكى نحصل على القرفة لابد أن ننزع قشور
شجيراتها وبالتالى تموت الشجيرة، وهنا مرة أخرى نرى صورة الموت، بل والسلخ (سلخ
الذبيحة يناظرها سلخ الشجيرات) حتى تخرج الرائحة.

 

3 – قصب
الذريرة،
(Aromatic Cane).

وهو نوع من الأعشاب العطرة التى تنمو كقصبة
متجهة إلى أعلى فى الأراضى الموحلة الطينية، وبسحق النبات نحصل على المادة ذات
الرائحة العطرية. وهى بذلك تشير إلى رائحة المسيح العطرة التى فاحت منه عند نزوله
إلى وحل شقائنا، وسحقه بحمله لخطايانا على الصليب وموته من أجلنا.

 

4 – سليخة، (Cassia).

وهذه الكلمة مشتقة من “ السلخ ” وتشير
إلى الطريقة التى كانت تنزع بها قشور هذا النبات وهى قشور كشجرة شبيهة بشجرة
القرفة وإن كانت رائحتها نفاذة أكثر من القرفة وكانت تُستعمل لإعطاء النكهة الطيبة
وأيضاً كدواء.

وقد جاء ذكر السليخة فى سفر المزامير، في
المزمور الذى يتنبأ عن جلال المسيح، ومسحه بدهن الإبتهاج أفضل من رفقائه، ومجد
العروس ابنة الملك التى تشير إلى كنيسته، إذ يقول “كرسيك يا الله إلى دهر
الدهور، قضيب استقامة قضيب ملكك. أحببت البر وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك الله
إلهك بدهن الإبتهاج أكثر من رفقائك كل ثيابك مّر وعود وسليخة..” (مزمور
45: 6 – 8)

 

5 – زيت
الزيتون،
(Olive Oil).

كانت شجرة الزيتون على مدى التاريخ من أكثر
الأشجار أهمية ونفعاً فى فلسطين. وفى المثل الذى ضربه يوثام بن جدعون، كانت شجرة
الزيتون هى أول شجرة دُعيت “لتملك على الأشجار” (قضاة 8: 9و9).
وعندما جاء بنو إسرائيل إلى أرض كنعان امتلكوا أشجار زيتون لم يغرسوها (تثنية
6: 11، يشوع 24: 13)
. وتشير بعض فصول الكتاب إلى جمال شجرة الزيتون (إرميا
11: 16، هوشع 14: 6)
، وإلى وفرة ثمرها (مزمور 128: 3).

ويُستعمل زيت الزيتون طعاماً حيث تُغمس قطع
الخبز فى أثناء الأكل، كما يُستخدم علاجاً (لوقا 10: 34). وكان يُستخدم فى
العصور القديمة دهناً للرأس (مزمور 23: 5، متى 6: 17). وكان يُعتبر المحصول
الوفير من الزيت بركة من بركات الله (يوئيل 2: 24). وعندما يكذب عمل
الزيتونة يكون هذا أحد اختبارات الإيمان بالرب (حبقوق 3: 17).

هذه الأطياب الأربعة الفاخرة بما تحمل من معان
روحية عميقة، كانت تخُلط معاً وتُضاف إلى زيت الزيتون، ويُصنع منها دهن مقدسة
للمسحة، “ عطر عطارة صنعة العطار ”.

إن دهن المسحة يشير إلى حضور الرب وعمل روحه
القدوس لتقديس المسكن وكل ما فيه ليكون قدس أقداس للرب. وفى ذلك إشارة بليغة إلى
زيت الميرون المقدس فى كنيسة العهد الجديد، وهو الذى يُدعى أيضاً “ المسحة
المقدسة ”
الذى يُمسح به جميع المؤمنين بعد عمادهم مباشرة، فينالون “ سر
التثبيت ”
الذى يُدعى أيضاً “ الختم المقدس ” أو “ سر المسحة
المقدسة ”
أو “ سر حلول الروح القدس ”.

هذا السر الذى أشار إليه القديس بولس الرسول
قائلاً: “ولكن الذى يثبتنا معكم
فى المسيح وقد مسحنا هو الله. الذى ختمنا أيضاً وأعطى عربون الروح فى قلوبنا” (كورنثوس الثانية 1: 21و22).

“الذى فيه أيضاً أنتم إذ سمعتم كلمة الحق
إنجيل خلاصكم، الذى فيه أيضاً إذ آمنتم
ختمتم بروح الموعد القدوس(أفسس 13: 1).

وكما كان الأمر لموسى فقط أن يصنع دهن المسحة
المقدسة، ثم صار من اختصاص رئيس الكهنة فيما بعد، كذلك لا يمكن أن يصنع زيت
الميرون المقدس إلا رئيس الأساقفة. هكذا يتبين لنا أن دهن المسحة. سواء فى العهد القديم
أو العهد الجديد، هو دهن فائق القداسة، به يتم تقديس كل ما يدهن به، فيصير قدس
أقداس مكرساً ومخصصاً ومقدساً للرب، بل وكل ما مسَّ هذه الأقداس يتقدس. لذلك يحذر
الرب موسى قائلاً: “علىِ جسد إنسان لا يسكب. وعلى مقاديره لا
تصنعوا مثله. مقدس هو ويكون مقدساً عندكم. كل من ركب مثله ومن جعل منه على أجنبى
يُقطع من شعبه”.

لذلك لا يُسمح إلا للأساقفة والكهنة بالمسح
بالميرون أو حمله، ولا يُستعمل إلا لإتمام سر المسحة المقدس أو تدشين الكنائس. كما
أنه فى العهد الجديد يُمسح به جميع المؤمنين الذين قبلوا العماد.

 

خامساً: مسح
رئيس الكهنة بدهن المسحة:

ما أن لبس هارون رئيس الكهنة ثياب الكهنوت
المخصصة له وحمل على كتفيه أسماء أسباط بنى إسرائيل الاثنى عشر، ووضع أسماءهم
أيضاً على قلبه بلبسه الصدرة، وصار قدساً للرب بوضعه العمامة على رأسه وعليها
الإكليل المقدس، حتى صار أهلاً للمسحة المقدسة التى سكبها موسى على رأسه (خروج
29: 7، لاويين 8: 10 12)
إشارة لحلول الروح القدس عليه، إذ صار بذلك ممثلاً
للرب يسوع الذى بمجرد خروجه من الماء حل عليه الروح القدس مثل حمامة واستقرعلى
رأسه: “وكان صوت من السموات: أنت ابنى الحبيب الذى به سررت” (مرقس
1: 11)
.

فهذا الدهن المقدس للمسحة كان لدهن الكهنة وخيمة
الاجتماع وكل محتوياتها لتكون مقدسة للرب، بل وكل ما مسّها يكون مقدساً ومكرساً
لخدمة الرب. فهو يشير إلى حضور الرب وتكريسه لكل ما يُخصص له، وإلى عطية الروح
القدس التى تنسكب على خدام الله لكى تملأهم مواهب الروح القدس للخدمة.

ولكننا نلاحظ هنا أن دهن المسحة لم يُسكب إلا
على رأس هارون فقط قبل تقديم أى ذبيحة وبعد لبسه ثياب الكهنوت التى ترمز إلى تجسد
السيد المسيح من أجل خلاصنا، ذلك إشارة إلى حلول الروح القدس على المسيح بعد
العماد لكى يقدِّس طبيعتنا التى اتحد بها بتجسده، لأنه لم يكن محتاجاً لأن يحل
عليه روحه الخاص الذى هو له وفيه وبها إلا لأجل تقديس طبيعتنا التى إتحد بها، كما
يشرح ذلك القديس كيرلس الكبير:

[.. فنحن نرى أن السيد المسيح لم يقبل الروح
لذاته هو، بل بالحرى لنا نحن فيه، لأن جميع الخيرات إنما بواسطته تتدفق نحونا.] ([7])

[..لأننا جميعاً كنَّا فيه بسبب أنه صار
إنساناً.هكذا أيضاً قد قَبِلَ الروح القدس من أجلنا لكى يقدِّس (بالروح القدس) كل
الطبيعة البشرية.] ([8])

فمسح هارون رئيس الكهنة وحده بدهن المسحة قبل
تقديم الذبائح عنه وعن بنيه الكهنة، يدل دلالة واضحة على ما يقصده الوحىمن إظهاره
بصفة خاصة ممثلاً المسيح رئيس كهنتنا الأعظم الذى بحلول الروح القدس عليه فى بداية
خدمته قدَّس طبيعتنا التى اتحد بها وأعدَّ ذاته لتقديمها ذبيحة عنا: “لأجلهم
أقدس أنا ذاتى، ليكونوا هم أيضاً مقدّسين في الحق” (يوحنا 17: 19).

أما الكهنة بنو هارون فلم يتم تقديسهم للخدمة
الكهنوتية بدهن المسحة إلا بعد تقديم الذبائح عنهم والنضح عليهم ومعهم هارون أيضاً
بدم الذبيحة لتطهيرهم، لكى يؤكد الوحى أنهم جميعاً فى حاجة إلى التكفير عن خطاياهم
بالدم قبل أن يتقدّموا لخدمة الرب، مشيراً بذلك إلى حاجتنا الملحَّة نحن كلنا إلى
دم المسيح الذى يطهِّر من كل خطية لكى نستحق أن نقدم له ذبائح تسبيحنا.

 

سادساً: “
وتملأ يد هارون وأيدى بنيه ”:

هذه هى الترجمة الحرفية للنص العبرى (“ مِلِى
يَدْ ”
mille yad)
(خروج 29: 9)، (لاويين 8: 25 27)، التى تُرجمت فى الترجمة اليسوعية إلى
“وتُكرِّس يد هارون وأيدى بنيه”، وفى الترجمة الإنجليزية “
ordain
Aaron and his sons
“،
بمعنى “تقدِّس هارون وبنيه”، وفى الترجمة العربية الجديدة: “هكذا
تُكرِّس لى هارون وبنيه”. والواقع أن الإصطلاح العبرى الخاص ب“ ملء اليد ”
يعنى: التعيين أو التنصيب أو التكريس للكهنوت بصفة خاصة، وربما يقصد به ما يناله
المُكرَّس للكهنوت من نعمة وسلطان تخوِّل له حق القيام بشعائر الكهنوت من حيث
تقديم الذبائح وتعليم الشعب وقبول اعترافه بخطاياه. بما أن اليد هى العضو الذى
نتسلَّم به النعم والعطايا، لذلك فملء اليد تعنى قبول هذه المنح من يد الرب الذى
يُعطى لخدامه المخصصين لخدمته كل مؤهلات الخدمة ومسوغاتها ومقوِّماتها. والعلامة
الظاهرة فى طقس الرسامة لتكريس المتقدمين للكهنوت هى “ ملء أيديهم ” بوضع أجزاء من
الذبيحة والتقدمة فى أيديهم وترديدها أمام الله ثم إحراقها على المذبح (خروج
29: 22 25)
، وبعد هذا يستطيعون هم أن يقدِّموا الذبائح عن الشعب ويردِّدوها
أمام الرب ويأكلوا نصيبهم منها.

 

سابعاً:
تقديم الذبائح الخاصة بتقديسهم لمدة سبعة أيام:

تستغرق شعائر تقديس الكهنة للكهنوت سبعة أيام،
لا يبارحون فيها باب خيمة الاجتماع (خروج 29: 10 37، لاويين 8: 1436). وكان
على موسى أن يقدم فيها كل يوم التقدمات الآتية لتقديسهم:

+ ثور واحد ابن بقر: ذبيحة خطية.

+ كبش صحيح: محرقة

+ كبش آخر صحيح: ذبيحة ملء للتقديس.

+ خبز فطير، وأقراص فطير ملتوتة بزيت، ورقاق
مدهون بزيت.

والخبز والأقراص والرقاق تُصنع كلها من دقيق حنطة
نقى، وتُوضع فى سلة واحدة، وتُقدم جميعها مع كبش الملء، ويأكلها هارون وبنوه.
ويتكرر ذلك سبعة أيام التى تمثل دورة كاملة من الزمن، إشارة إلى أن الكاهن المكرس
لخدمة الرب يلزم أن يكون مقدساً كل حياته. لأنه إن كانت الوصية لكل الشعب: “فتتقدسون
وتكونون قديسين لأنى أنا قدوس”
(لاويين 11: 44)، فكم بالحرى للذين
صاروا كهنة للرب إلههم؟!

 

1 – ذبيحة
الخطية:

يقدم هذا الثور ذبيحة خطية عن هارون وبنيه،
للتكفير عن خطاياهم، يتساوى فى ذلك هارون رئيس الكهنة مع بنيه الكهنة. (خروج
29: 10 14)
فمع أنهم مختارون للكهنوت والتخصص لخدمة الرب إلا أنهم محتاجون
للتطهير من خطاياهم، ف “الجميع زاغوا وفسدوا معاً. ليس من يعمل صلاحاً،
ليس ولا واحد”
(رومية 3: 12)

“فيضع هارون وبنوه أيديهم على رأس
الثور”
إعترافاً منهم بخطاياهم وباستحقاقهم الموت، وتوسلاً إلى
الله بأن يكون هذا الثور ذبيحة خطية نيابة عنهم، وهكذا يُساق الثور للذبح والموت
عوضاً عنهم. ويُستقبل دم الثور فى أوان خاصة، ويأخذ موسى من دم الثور بإصبعه ويمسح
به قرون المذبح، وباقى الدم يصبّه أسفل المذبح ووضع الدم على المذبح من أعلى وأسفل
هو لتطهيره وتقديسه، لأن “كل شى تقريباً يتطهَّر حسب الناموس بالدم، وبدون
سفك لا تحُصلُ مغفرة”
(عبرانيين 9: 22) أما الشحم الذى يُغشى
الجوف وسائر الأحشاء فهو نصيب الرب من الذبائح، كما جاء فى (لاويين 3: 16 17):
“كل الشحم للرب، فريضة دهرية فى أجيالكم فى جميع مساكنكم، لا تأكلوا شيئاً
من الشحم ولا من الدم”
. فالشحم والدم محرَّم أكلهما على الشعب لأنهما
مخصَّصان للرب. ولعل السبب فى ذلك أن الشحم هو دسم الذبيحة الذى يساعد على إيقادها
وإشعالها بالنار كتقدمة للرب، وأما الدم فلأن نفس الحيوان وحياته فى دمه: “لأن
نفس كل جسد دمه”
(لاويين 17: 14).

وفى ذلك إشارة إلى أن ما يقدَّم للرب يلزم أن
يكون هو أثمن وأسمن ما فيها، بل كل حياتها وقوتها. “أما لحم الثور وجلده
وفرثه (أى روثه الذى لا يزال داخل كرشه)، فتحرقها بنار خارج المحلة، هو
ذبيحة خطية”
. فذبيحة الخطية تحمل خطية الإنسان الذى وضع يده على رأس
الذبيحة وأقرَّ بخطيته، مما يجعل لحم الذبيحة نجساً ولا يحل أكله بل يلزم حرقه
بالنار خارج المحلة، أى بعيداً عن خيام الشعب استنكاراً للخطية وإشارة إلى نجاستها
وشناعتها. وفى هذا كله رمز للرب يسوع الذى قدم نفسه ذبيحة خطية من أجلنا:

الذى حمل هو نفسه خطايانا فى جسده على
الخشبة، لكى نموت عن الخطايا فنحيا للبر”
(بطرس الأولى 2: 24)، “لانه
جعل الذى لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه”
(كورنثوس
الثانية 5: 21)
وكما كانت ذبيحة الخطية تحرق خارج المحلة، كذلك الرب يسوع
أيضاً صُلب خارج أورشليم: “فإن الحيوانات التى يُدخل بدمها عن الخطية إلى
الأقداس بيد رئيس الكهنة تُحرق أجسامها خارج المحلة. لذلك يسوع أيضاً، لكى يقدّس
الشعب بدم نفسه، تألم خارج الباب. فلنخرج إذاً إليه خارج المحلة حاملين عاره”

(عبرانيين 13: 11 13).

 

2 كبش
المحرقة:

بعد تقديم ذبيحة الخطية يقدم كبش كذبيحة محرقة
للرب
“رائحة سرور، وقود هى للرب” (خروج
29: 18)
. هذه الذبيحة تقدم جانباً آخر للصليب، فإن كانت الأولى تحمل ثقل
خطايانا لذلك قُدمت بأنات وصراخ، فإن هذه الذبيحة تُعلن فى الصليب جانب السرور
ورائحة الرضا، إذ تكشف عن “الطاعة الكاملة للسيد المسيح نحو الآب” (يوحنا
6: 38، فليبى 2: 8، عبرانيين 5: 8، 10: 7)،
الطاعة الإرادية غير الأضطرارية (يوحنا
10: 18)
.

يضع هارون وبنوه أيديهم على رأس الكبش ليصيروا
والذبيحة واحداً، فيحملوا روح الطاعة الكاملة التى للسيد المسيح فيهم، فيشتم الله
كهنوتهم رائحة السرور والرضا (لاويين 1: 9 و13و17). هكذا يلتصقون بالرب
ليكونوا حاملين روحه (كورنثوس الأولى 6: 17).

يذبح الكبش ويرش دمه على المذبح من كل ناحية
ويقطع ويغسل جوفه وأكارعه وتُوضع على المذبح أمام الله، وكأنه بهذا تظهر كل
أعماقه، فقد جاز السيد المسيح أمام الآب فوُجد بلا عيب (أشعياء 53: 9، لوقا 23:
22، يوحنا 8: 46)
، فقبله كموضع سروره. هكذا يليق بالكاهن أن يتقدس فى أعماقه
الداخلية، ليجتاز أمام الله بلا عيب ويكون موضع سروره ورضاه فى المسيح يسوع.

 

3 كبش
الملء:

هذه الذبيحة هى ذبيحة تقديس الكهنة وتكريسهم
لخدمة الرب تكريساً كلياً. فبعد التكفير عنهم بذبيحة الخطية، ثم إعلان طاعتهم وخضوعهم
الكامل لله بتقديم ذبيحة المحرقة، يصيرون مؤهلين للتقديس والتكريس الكلى لله.

+ وهنا أيضاً يضع هارون وبنوه أيديهم على رأس الكبش الُمعد للذبح، لكى يمثلهم فى
تقديس ذواتهم لخدمة الرب إلى النفس الأخير

+ ثم يذبح موسى الكبش ويأخذ من دمه ويجعل على
شحمة آذان هارون وبنيه اليمنى، وعلى أباهم أيديهم اليمنى، وعلى أباهم أرجلهم
اليمنى. ثم يرش الدم على المذبح من كل ناحية، وفى هذا إشارة إلى تكريس آذانهم
لسماع كلمة الرب وطاعته، وتكريس أيديهم لعمل كل ما يرضيه بكل قوتهم، وتكريس أرجلهم
للسير فى طرقه. وقد أُختيرت هذه الأعضاء الثلاثة اليمنى كرمز إلى تقديم ذواتهم
بأجمعها للرب. أما رش المذبح من كل ناحية بالدم، فهو لأن تكريسهم قائم على خدمة
المذبح الذى يمثل حضرة الرب. فدهنهم بالدم، ثم رش الدم على المذبح، يُشير إلى
العهد المشترك بين الله وبين عبيده خدام المذبح.

+ ثم يأخذ موسى من الدم الذى على المذبح ومن دهن
المسحة وينضح على هارون وثيابه وعلى بنيه وثياب بنيه معه، فيتقدَّس هارون هو
وثيابه وبنوه وثياب بنيه معه. هذه هى أهم مراحل طقس الرسامة، عندما يأخذ موسى من
الدم الذى على المذبح ومن دهن المسحة لكى ينضح منها على هارون وبنيه، حيث يرمز
المذبح إلى حضرة الله الآب، والدم إلى دم ذبيحة ابنه الوحيد ودهن المسحة إلى مسحة
الروح القدس. وهكذا يأخذ موسى الدم ودهن المسحة من يد الله ممثلاً فى مذبحه ودم
الذبيحة ودهن مسحته التى تشير إلى الأقانيم الثلاثة: الآب والابن والروح القدس،
لكى يقدِّس به هارون وبنيه وثياب خدمتهم الكهنوتية، رمزاً للعهد المقدس بينهم وبين
الله، وتكريسهم لهم، وانسكاب مواهب الروح القدس عليهم لخدمة الرب والتوسط لديه من
أجل الشعب.

لاحظ أن
هناك فرق بين ذبيحة كبش الملء وذبيحة السلامة العادية، لأنه فى طقس ذبيحة السلامة
يُعطى الكاهن الرجل اليمنى، ولكن هنا الكاهن يَعطى نصيبه للرب فى حفل تقديسه
وتكريسه
.

 

4 ملء أيدى
الكهنة والترديد:

ثم يأخذ موسى كل شحم الكبش والساق اليمنى، مع
رغيف واحد من الخبز وقرص واحد ورقاقة واحدة من سلة الفطير التى أُعدت قبلاً ووُضعت
أمام الرب، ويضع الجميع فى يدى هارون وفى أيدى بنيه ويرددها ترديداً أمام الرب، ثم
يأخذها من أيديهم ويُوقدها على المذبح فوق المحرقة رائحة سرور أمام الرب، وقوداً
هو للرب.

وهكذا كان على موسى أن يأخذ هذه الأجزاء من
الكبش ليرددها بين يدي هارون وبنيه، مع جزء من تقدمة الفطير، ويُوقدها على المذبح
فوق المحرقة بإعتبارها نصيب الرب من ذبيحة الملء التى لتقديس الكهنة. أما ترديدها
أمام الرب فهو إعتراف منهم بأن كل الأشياء هى من فضل إنعاماته عليهم، ملتمسين أن
يتقبلها من أيديهم علامة على خضوعهم له وعرفانهم بفضله لكى يشتمها رائحة سرور ورضى
أمامه.

كان ترديد التقدمات أمام الرب من الطقوس العميقة
التى أمر الرب بممارستها فى مناسبات متعددة. ويذكر التلمود أن الترديد يكون برفع
اليدين وهما مبسوطتان بما تحملان، وتحريكهما نحو الأمام والخلف ثم نحو اليمين
واليسار، إعترافاً من مقدمها بأن الرب منه وله جميع الأشياء، وإنها مكرسة له، الذى
يليق به التمجيد والتكريم فى كل مكان وزمان. أما الترديد هنا بالنسبة لكبش الملء،
فهو يُشير إلى أن ملء أيديهم بالتقدمات هو المقصود منه تقديسهم واستلامهم لنعمة
الكهنوت، لكى يأخذوا وظيفتهم الكهنوتية ويكون لهم الحق فى تقديم الذبائح من أجل
الشعب ويمسكوا بأيدى أصحابها ويرددوا تقدماتهم أمام الرب.

+ ثم أمر الرب موسى قائلاً: “ثم تأخذ القص من كبش الملء الذى لهارون
وتردده ترديداً أمام الرب. فيكون لك نصيباً
“.

هنا يحدد الرب لموسى نصيبه من ذبيحة الملء، لأنه
هو الكاهن المعّين من الله لتكريس هارون رئيس الكهنة وبنيه الكهنة لأول مرة فى
تاريخ إسرائيل. إلاَّ أنه قبل أن يأخذ نصيبه يلزم أن يردده ترديداً أمام الرب
إشارة إلى كونه يأخذه من يد الرب. ثم يحدد الرب أيضاً نصيب هارون وبنيه من ذبائح
السلامة التى ستقدم عن الشعب قائلاً:

وتقدس
قص الترديد وساق الرفيعة الذى رُدد والذى رُفع من كبش الملء، مما لهارون وبنيه
فيكونان لهارون وبنيه فريضة أبدية من بنى إسرائيل لأنها رفيعة. ويكونان رفيعة من
بنى إسرائيل من ذبائح
سلامتهم
رفيعتهم للرب
(خروج 29: 27
و28).

فالقص أى الصدر الذى صار هنا من نصيب موسى من
كبش الملء، والساق اليمنى الذى ردُد أمام الرب ورُفع مع الشحم الذى لكبش الملء فوق
المحرقة على المذبح بإعتباره نصيب من كبش الملء، خصصهما الرب وقدسهما ليكونا
نصيب هارون وبنيه من ذبائح السلامة
التى يقدمها الشعب، وجعل ذلك فريضة أبدية
من بنى إسرائيل للكهنة طالما هناك كهنوت وذبائح على طقس هارون. لأن تدبير الرب هو
أن: “الذين يلازمون المذبح يشاركون المذبح” (كورنثوس الأولى
9: 13)
. وقد طبق بولس الرسول هذا المبدأ على خدام الإنجيل قائلاً: “هكذا
أيضاً أمر الرب أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون”
(كورنثوس
الأولى 9: 14)
.

+ ثم أعطى الرب لموسى تدبيراً بخصوص ثياب هارون
لكى تكون لبنيه بعده ليُمسحوا فيها ولُتملأ فيها أيديهم. فيلبسها الكاهن الذى
يُرسم عوضاً عنه من بنيه طوال السبعة أيام التى تستغرقها الرسامة.

ثامناً:
الأكل من كبش الملء:

هذا هو ختام حفل الرسامة، حيث يأمر الرب موسى
هكذا:

+ “وأما
كبش الملء فتأخذه وتطبخ لحمه فى مكان مقدس. فيأكل هارون وبنوه لحم الكبش والخبز
الذى فى السلة عند باب خيمة الاجتماع. يأكلها الذين كُفر بها عنهم لملء أيديهم
لتقديسهم. وأما الأجنبى فلا يأكل لأنها مقدسة” (خروج 29: 31 33).

بعد أن عّين الرب الأجزاء التى تُقدم وقوداً لهم
من ذبيحة الملء، والنصيب الذى يأخذه موسى بوصفه الكاهن الخديم لطقس الرسامة، أمر
بأن يقوم بطبخ باقى لحم الكبش فى مكان مقدس، أى عند باب خيمة الاجتماع (لاويين
8: 31)
، وأن يأكله هناك أيضاً هارون وبنوه فقط مع الخبز والأقراص والرقاق
بإعتبارهم مقدمى الذبيحة. وهكذا يشتركون معاً فى وليمة مقدسة فى حضرة الرب عند باب
خيمة الاجتماع. ولا يشترك فى هذه الوليمة سوى الذين قُدمت لأجلهم لتكريسهم للخدمة.

أما الأجنبى، أى الذى من غير الكهنة، فلا يأكل
منها، لأنها مقدسة ومخصصة للكهنة وحدهم.

وكبش الملء يشير أيضاً إلى الرب يسوع الذى قدس
ذاته لأجلنا (يوحنا 17: 19)، وقدسنا أيضاً لذاته، وأعطى ذاته لنا طعاماً
نتناوله ونأكله لكى نحيا به. فهو “الخبز النازل من السماء لكى يأكل منه
الإنسان ولا يموت.. والخبز الذى أنا أُعطيه هو جسدى الذى أبذله من أجل حياة
العالم”
(يوحنا 6: 50و 51).

 

+ تكرار
الطقس سبعة أيام:

بعد هذا الختام العظيم لطقس رسامة هارون رئيس
الكهنة وبنيه الكهنة بالأكل من وليمة كبش الملء، طلب الله من موسى قائلاً:

+ “وتصنع
لهارون وبنيه هكذا بحسب كل ما أمرتك، سبعة أيام تملأ أيديهم، وتُقدم ثور خطية كل
يوم لأجل الكفارة” (خروج 29: 35و36)

فى النص المقابل لهذا النص، الذى يذكر أيضاً طقس
تكريس الكهنة فى سفر اللاويين، يُخاطب الرب هارون وبنيه بواسطة موسى قائلاً:

+ “ومن
لدن باب خيمة الاجتماع لا تخرجوا سبعة أيام إلى يوم كمال أيام ملئكم، لأنه سبعة
أيام يملأ أيديكم، كما فعل فى هذا
اليوم
قد أمر الرب أن يُفعل للتكفير عنكم. ولدى باب خيمة الاجتماع تقيمون نهاراً وليلاً
سبعة أيام، وتحفظون شعائر الرب فلا تموتون لأنى هكذا أمرت” (لاويين 8: 3335)

هكذا يأمر الرب كهنته وخدامه أن يعتادوا على
المكوث فى حضرته نهاراً وليلاً، لكى يتحققوا من قوة ما يعمله الرب معهم من أجل
التكفير عنهم وتقديسهم. أما بقاؤهم هكذا سبعة أيام فى حضرة الرب لتقديسهم فهى تشير
إلى كل أيام حياتهم على الأرض، التى هى جميع أيام خدمتهم التى صارت كلها مكرسة
للرب.

وهى ترمز إلى ما ستوؤل إليه حياتنا نحن الذين
صار لنا إمتياز السكنى فى المسيح والإتحاد به إلى الأبد، فقد صرنا: “أعضاء
جسمه من لحمه ومن عظامه”
(أفسس 5: 30)، “مبنيون معاً
مسكناً لله فى الروح
(أفسس 2: 22) لأننا قد نلنا فى المسيح
إمتياز السكنى فى قدس أقداسه، وليس عند باب خيمته فلم يعد نصيبنا مجد الإقتراب
منه، بل: “ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع، طريقاً كرسه لنا حديثاً
حيَّاً، بالحجاب،
أى جسده(عبرانيين 10: 19).

 

V تقديس
المذبح:

+ “وتطهر المذبح بتكفيرك عليه، وتمسحه
لتقديسه. سبعة أيام
وتُكفَّر على المذبح وتُقدسه فيكون المذبح قدس أقداس،
كل ما مسّ المذبح يكون مقدساً” (خروج 29: 36و 37).

هذه أول مرة نقرأ فيها عن تطهير المذبح وتقديسه،
فقد كانت المذابح قبلاً يبنيها مقدم الذبيحة، ولا تسلتزم منه إلا الذبيحة التى
يقدمها عليه. أما هنا فالمذبح هو مذبح المحرقة فى خيمة الاجتماع، المذبح الذى
ستقدم عليه الذبائح عن الشعب كله بكل أنواعها، فهو الذى يقدس الذبائح التى تكفَّر
عن الشعب. فهذا المذبح بعد التكفير عليه سبعة أيام ومسحه بدهن المسحة لتقديسه، صار
قدس أقداس، وكل ما يمسه يكون مقدساً.

وهكذا يتقبل الله من شعبه هذا المذبح الذى يقدسه
ويجعله قدس أقداس وخلاله تقبل الذبيحة لتقدس شعبه والتكفير عنهم وكثرة تكرار
الذبائح تشير أنها غير كاملة وهم فى انتظار لذاك الذى يأتى لُيقدم نفسه ذبيحة مرة
واحدة. والمذبح لم يخطئ فلماذا يقدم عنه ذبيحة خطية؟!

هذا بسبب خطايا من يخدمون المذبح فهو يتنجس
بنجاسة وخطايا الكهنة، ومهما كان الإنسان الذى يتقدم للخدمة، فهو غير مستحق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار