وجوب إقامة الصور والأيقونات

وجوب
إقامة الصور والأيقونات
المتنيح
الأنبا غريغوريوس
جريدة
وطنى 1/7/2007م السنة 49
الصور
والأيقونات فى الكنيسة القبطية وحرب الأيقونات
الكنيسة
الأثوذكسية تسمح بل توجب إقامة الصور,وإقامة الإيقونات,بكافة
أنواعها سواء الرسم علي الحائط أو الرسم علي الورق أو الرسم
علي الجلد أو الرسم علي الخشب أو الرسم علي أرضية من
ذهب,أو الرسم علي أرضية من فضة.
وممكن
أن تسمح الكنيسة بالصور البارزة سواء أكان بروزها إلي خارج
أو كان بروزها إلي داخل. فالكنيسة إذا تسمح بإقامة الصور
وإقامة الإيقونات بكافة أنواعها, ومهما كانت الأرضية التي تقام
عليها هذه الصور,سواء أكانت حائطا أو ورقا أو خشبا أو
جلدا أو ما إلي ذلك, وتسمح أيضا بالصور البارزة, علي أن
يكون البروز لا يجعل منها تمثالا إنما بروز نسبي يبرز صورة
المسيح له المجد, وصورة العذراء وصور القديسين, الذين تهتم
الكنيسة بإبرازهم كنماذج أمام المؤمنين.
فالكنيسة
الأرثوذكسية تسمح بل وتأمر بإقامة الصور, بل تري أن إقامة
هذه الصور في غاية الأهمية, وأن لها فائدة بالنسبة للمؤمنين,
فإذا كانت الكنيسة لاتبيح إقامة التماثيل, لكنها تري أن إقامة
الصور والإيقونات مسألة نافعة, ولذلك لا تسمح فقط وإنما تأمر
بإقامة هذه الصور, لذلك حتي في الطقس الكنسي يوجد الحجاب
وهو الحاجز الذي يفصل ما بين أقدس مكان في الكنيسة وهو
الهيكل, وما بين أجزاء أخري من الكنيسة كمكان وقوف الشعب,
الذي يسمونه صحن الكنيسة.
هذا
الحجاب تأمر الكنيسة بأن تقام عليه صور المسيح له المجد,
وصور القديسين, لكي تكون ملهمة للمسيحي أثناء الصلاة, تثيره
للعبادة, وتؤثر فيه وتفعل في روحه وتذكره بالحقائق الإيمانية,
وتجعله قادرا علي أن يركز الانتباه في الفضيلة, وأيضا المعاني
الخلاصية والإنجيلية التي تدعو الكنيسة إليها.
الصور
إذن في مفهومنا الكنسي نداءات, الصور تتكلم بمعني أنها لها
رسالة, رسالة إلي النفس البشرية كلما تطلع إليها الإنسان,
الصورة تكلمه لأنها تنقل اليه معني عن طريق العين,تنقل إليه
معاني, وهذه المعاني يجترها الإنسان ويفكر فيها ويتذكرها,
ويقبلها علي أوضاعها المختلفة, وحينئذ تخلق فيه وهو واقف في
الكنيسة تفكيرا ليس من السهل أن يتيسر له من غير هذه
الصور, فهي تساعده علي الإثارة, إثارة التفكير في موضوعات
الخلاص والحقائق الإنجيلية, وصور الفضيلة لمتمثلة في العذراء
وفي القديسين الذين تصور صورهم أمام المؤمنين.
الصور كانت أمام المؤمنين من القديم:
ورأت
الكنيسة منذ القدم أن كلمة الرسول بولس التي يقول فيها
‘أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوبا’
(غلا3: 1), إشارة إلي أن وضع الصور أمام المؤمنين, كان وضعا
قديما جدا منذ بدء المسيحية,أو منذ بدء تجسد المسيح,أنا
الحقيقة أتحرج من كلمة بدء المسيحية لأن المسيحية لم تبدأ
من التجسد, المسيحية تبدأ من آدم, من الخطأ أن يقال إن
المسيحية بدأت من المسيح, إنما هذه نظرة اجتماعية أو نظرة
خارجية سطحية, نظرة المؤرخين عندما يقسمون الديانة إلي فترات,
فيقولون الفترة السابقة علي موسي ويسمونها باسم, ثم ابتداء من
موسي النبي ويسموها الديانة الموسوية, ثم الفترة ابتداء من
تجسد المسيح ويسموها الديانة المسيحية, هذا التقسيم الحقيقة
التقسيم خارجي سطحي,تقسيم المؤرخ وتقسيم رجال الاجتماع, وهم
ينظرون للموضوع من ناحية خارجية, إنما نحن في ديانتنا وفي
تعاليمنا, من الخطأ أننا نظن أن المسيحية بدأت من تجسد
المسيح, لأن المسيح نفسه قال لم آت لأنقض بل لأكمل, فلم
يدعي المسيح أنه جاء بديانة جديدة, أو أنه ابتداء من مجيئه
بدأ بدين جديد, لا… فالمسيح ربط نفسه دائما بالقديم, لدرجة
ربط تعليمه بآدم, ولما كان يتكلم في موضوع الزواج قال ‘من
البدء لم يكن هكذا’ (مت19: 8) فرجع بنا إلي آدم, فلا يوجد
هذا الفصل الذي عمله رجال الاجتماع أو المؤرخين من أجل
الدراسة, الذين فصلوا ما بين العهود الإنسانية وسموا مسيحية
وسموا يهودية وسموا ما قبل اليهودية والمسيحية, ولذلك أتحفظ
وأشير إلي هذا لكي نوضح الحقيقة,إنما الفترة المصطلح عليها
أنها المسيحية, وهي ابتداء من تجسد المسيح أو ظهوره في
الجسد, تمثل التعاليم المسيحية علي صورتها النهائية أو صورتها
المبلورة, بعد أن صحح المسيح الأخطاء التي وقع فيها رجال
الكهنة في العهد القديم في تفسير الوصية الإلهية.
يقرر
المؤرخون وعلماء الآثار, أنه منذ ابتداء هذه الفترة والصور
كانت تقام أمام المسيحيين, وعبارة الرسول التي يقول فيها أنتم
الذين أمام أعينكم قد رسم يسوع المسيح وإياه مصلوبا, إنما
تعتبر بالضبط عما كان قائما بالفعل, وأنه منذ الابتداء كانت
صورة المسيح المصلوب دائما مرسومة أمام عيون المؤمنين.
حرب الصور والأيقونات:
ولا
زلنا إلي اليوم نري في كنائسنا وفي جميع الكنائس في العالم,
أرثوذكسية وغير أرثوذكسية, نري دائما صورة المسيح المصلوب أمام
المؤمنين, سواء أكان الأرثوذكس أو الكاثوليك يضعون صورة المسيح
المصلوب. وحتي البروتستانت الذين كانوا يدعون في وقت ما, أنهم
ضد إقامة الصور اضطروا أنهم يفعلوا ذلك,وأيضا يقيموا الصليب
علي المباني التي يقيمون فيها اجتماعاتهم, بعد أن تيقظوا أن
هذه علامة المسيحي, وأنه لكي يميز مكان إقامة الصلاة في
الأماكن الدينية يوضع الصليب, ليكون مرشدا للمسيحي لكي يقصد
المكان, ويميز بينه وبين أي بيت عادي, وكان هذا بعد الحملة
الشديدة التي قام بها البروتستانت وهي حرب الصور, وفي أواخر
القرن التاسع عشر, والتي كانت واضحة في منطقة أسيوط, عندما قام
البروتستانت بحملة شديدة جدا ضد إقامة الصور, في بلادنا
المصرية وعملوا أمالا شنيعة جدا, ومن ضمنها أنهم دخلوا
الكنائس في أسيوط وحرقوا الصور والأيقونات, ودخلت المسائل في
اشتباكات باليد واشتباكات بالأرجل.
قلنا
إن الرسول عندما قال: ‘أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع
المسيح وإياه مصلوبا’ أن هذه الآية وهذا النص يشير إلي
العادة الأولية جدا, التي بدأت منذ الابتداء في العصور
الرسولية الأولي, أنه كان هناك فعلا المسيح يصور مصلوبا ويكون
دائما أمام عيون المؤمنين يذكرهم بحقيقة الخلاص.
الصور علي الآثار المسيحية القديمة:
وأيضا
عندما نري الصور المرسومة علي الآثار المسيحية القديمة في العصور
المسيحية الأولي, نجد مبدأ الصور كان معمولا به.فمثلا في
السراديب التي كان ينزل إليها المسيحيون تحت الأرض,الموجودة
في روما, وفي بعض بلاد العالم المسيحي, يلاحظ عليها الرسوم
القديمة, والناس الذين يذهبون اليوم ويزورون هذه السراديب,
والمباني الأثرية القديمة في روما وغيرها يرون بأعينهم الصور
أو بعض الصور مرسومة علي بعض الحوائط, وحتي في الأماكن التي
كان يحبس فيها المسيحيون وأيضا أماكن دفنهم.
فموضوع
الصور موضوع قديم, لكن حكمة إقامة الصور أنها تثير الانتباه,
وتعدو بمثابة أ,ب بالنسبة للإنسان الذي لا يعرف القراءة
والكتابة, كنوع من أنواع العلم, عندما نمسك كتاب نجد الحقائق
الروحية معبرا عنها بحروف, والإنسان الذي لا يقرأ هذه الحروف
يفهم المعاني التي تدل عليها هذه الحروف هكذا الصور نفس
الحقيقة.
ما
هي الصور؟ الصور عبارة عن خطوط لكن وراء هذه الخطوط معاني,
وكما أن الواحد يقرأ الكلمات المسطورة في كتاب, ويكون منها
صورة ذهنية عن القصة التاريخية للمسيح أو للقديسين أو لجهادهم.كذلك
الصورة المرسومة علي حائط أو علي ورق أو غيره هي عبارة عن
نفس الحقائق التاريخية, والحقائق الروحية مرسومة لكن بأسلوبا
آخر. فكما أن هناك أسلوب للكتابة, هناك أسلوب الرسم أيضا,
فهذا أسلوب آخر من الأساليب, وهنا دور الفن وخدمة الفن
للدين.
كذلك
مثلا الموسيقي نوع آخر من التعبير, قد تجد قطعة موسيقية
تبلغك رسالة, تكون هذه الرسالة خشوعية, قد تكون هذه الرسالة
حزينة, قد تكون هذه الرسالة مبهجة ومفرحة, وتجد للقطعة
الموسيقية أثر انتقل اليك, فإذن الموسيقي أيضا فن من الفنون
وهو وسيلة تبليغ,وإن كانت تختلف عن الكتابة.
أسلوب
الوعظ أو الخطابة أو الكلام أسلوب آخر, إنما نفس المعني
ونفس الخدمة التي تؤدي للإنسان هي رسالة تبلغ لكن هذه
الرسالة تبلغ عن طريق كلمات مسموعة, في الكتابة تبلغ عن
طريق حروف مكتوبة منقوشة علي ورق. والصور رسالة تبلغ عن
طريق رسم بريشة علي لوحة, فكما أن الحروف المكتوبة علي ورق
وراءها معني, تتحول في ذهنك إلي صورة ذهنية,وإن كان في
أكثر الأحيان الصورة الحسية التي عن طريق العين,أو تراها
العين تؤثر في الإنسان أضعاف أضعاف ما تؤثره أو ما تحدثه
أثر الكلمة المكتوبة.