علم التاريخ

الأقباط فى العصر العثمانى



الأقباط فى العصر العثمانى

الأقباط
فى العصر العثمانى

منذ
بداية القرن السادس عشر اخذ السلاطين العثمانيون يتطلعون نحو الشرق العربي
الإسلامي، وفى خلال سنة واحدة (1516 – 1517) دخلت اربعة اقاليم اسلامية عربية هامة
تحت لأوائهم هي: الشام ثم مصر فالحجاز، الى جانب أجزاء من اليمن، فضلا عن دخول
العراق عام 1534وبعض الدول المطلة على الخليج العربى وبعض امارات وميشخات هذا
الخليج العربى

وكان
نتيجة هذه الفتوحات العثمانية أن اصبحت الدولة تضم من بين رعاياها طائف دينية
مختلفة، فالى جانب الطوائف الاسلامية كانت هناك طوائف (ذمية) منها: الروم
الارثوذكس، والارمن، والاقباط، والموارنة، والكاثوليك والبروتستانت وغيرهم من
المسيحيين واليهود، وقد تحدد موقف الدولة العثمانية تجاه تلك الطوائف غير المسلمة
من خلال مبادئ واحكام الشريعة الاسلامية، طبقا للمذهب الحنفي التي كانت
الامبراطورية العثمانية ملتزمة به

كانت
كل طائفة من الطوائف الدينية في الدولة العثمانية تسمى (ملة)، وكان لكل ملة رئيس
ديني ينظر في المسائل الدينية يسمى (ملة باش) ويقوم مستعينا ببعض المساعدين بالفصل
في قضايا الأحوال الشخصية الخاصة باتباع ملته دون تدخل من جانب الدولة التي تركت
لرئيس كل ملة ممارسة هذا الاختصاص، وقد منح نظام الملل الرعايا غير المسلمين كيانا
ذاتيا خاصا، وكان الروم الارثوذكس اتباع الكنيسة الارثوذكسية الشرقية اليونانية
اهم ملة بعد الملة الاسلامية في الدولة العثمانية، ويتدرج تحت هذه الملة: اليونانيون
والبلغار وسكان البوسنة والهرسك والجبل الاسود وبعض الالبانيين وغيرهم، وكان مقر
رئيس هذه الملة في اسطانبول ويسمى البطريرك، ثم كانت هناك ملة الكاثوليك ويتدرج
تحتها: الاوربيون المقيمون في البلاد من بنادقه والمان وفرنسيين وانجليز، وكانوا
اقل شانا من الروم الارثوذكس، كذلك كانت هناك ملة الارمن وملة اليهود.

وكانت
معظم الطوائف غير الاسلامية في الدولة العثمانية تتبع كنائس اربع تدين بالمعتقد
الارثوذكس هي: الكنيسة الشرقية اليونانية الارثوذكسية في اسطانبول، وكنيسة
الاسكندرية التي تضم الاقباط، والكنيسة المارونية في سوريا ولبنان، واخيرا كنيسة
اورشليم، وكان لكل كنيسة من هذه الكنائس بطريرك خاص بها

 

الدولة
العثمانية والاقباط:

بدأ
السلاطين العثمانيون منذ فتحوا الشرق ان يحفظوا لأهل الذمة حقوقهم بشكل رسمي، فهذا
السلطان سليمان القانوني ابن السلطان سليم الاول يصدر فرمانا بتاريخ اوائل يناير
1523 جاء فيه بالنسبة لهم “.. فرسمنا بأن تكون جهتهم على الدستور القديم
فرعية على الدوام وذمتهم محفوظة بذمة الاسلام.. رعاية منا لسوالف العهود وغاية
السوابق من غير عدول عن معناه ولا خروج عن فحواه..” أي ان والده سبق ان اصدر
فرمانا حفظ فيه حقوق اهل الذمة وهو يسير على نهجة.

 

 ثم
اتبعة بفرمان اخر في 19 مايو 1525 يحمل نفس عبارات تقديم المرسوم السابق، مؤكد فيه
من جديد ما اورده في المرسوم الاول، وقد جاء فيه “.. بأن يكونوا محمين مرعيين
على الدوام وذمتهم محفوظة – بذمة الاسلام على الحكم المرعى والقانون المرعى، لا
يسهم سوء ولا ضرر ولا تشويش ولا كدر، داعون دولتنا القاهرة وثبات اعوام سلطتنا
الباهرة..”

وعلى
الرغم من ان السلطان العثمانية الحاكمة في مصر كانت تحرص دائما على الالتزام
بالعدالة تجاه الاقباط عملا بالدين الإسلامي او ما اصدره من فرمانات، الا انها
كانت في بعض الاحيان تمارس ضغوطا كثيرة عليهم ارضاء لعلماء الدين الإسلامي ذوى
النفوذ الواسع آنذاك من جهة، ومراعاة لمشاعر العامة من جهة اخرى.

فقد
جدث انه بعد ان فتح السلطان سليم الاول مصر صدر الى اسطانبول عددا كبيرا من
الحرفيين والصناع المهرة وكان عدد كبير منهم من الاقباط، ويذكرا بن إياس “..
وتوجة الى اسطانبول جماعة من طائفة اليهود والسمرة، ومن طائفة النصارى: بانوب
الكاتب في الخزائن الشرقية، وابو سعيد أمين الدولة، ويوحنا الصغير، ويوسف بن هبول
وشيخ المكين السكندري وولده وآخرون من اليهود ومن النصارى ما تحضرني اسماؤهم..
ففارقت الناس اوطانهم واولادهم واهاليهم، وتغربوا الى بلد لم يطؤدها وخالطوا أقوما
غير منعهم ” وظلوا هناك ثلاث سنوات وعادوا الى مصر الا انه عموما يمكن القول
بأن الادارة في اسطانبول نظرت الى الاقباط على انهم احد عناصر رعايا السلطان
يشتركون مع غيرهم من أهل الذمة في الحقوق والالتزامات باشكالها كانواع الضرائب
المختلفة بالاضافة الى الجزية التي كانت مفروضة فقط على اهل الذمة من اقباط ويهود.

 

الجزية
(الجوالى)

وهى
اكثر الالتزامات المالية أهمية بالنسبة للاقباط، وكانت التزاما على كل الاقباط،
ويعفى منها العناصر غير المنتجة: كالنساء والاطفال والشيوخ احيانا، والرهبان ومرض
الجز ام والبرص والمشلولين – وغيرهم، وكانت بمثابة ارتباط بين الاقباط والسلطة
نظير الدفاع عنهم ولم تكن نسبة المدفوع ثابتة بل كانت تزيد حسب الاحوال، الا انها
عموما لم تكن وجدها بشكلها عتبا ثقيلا على الاقباط، الا انها اصبحت عبئا اذا ما
اضيف اليها ضريبة البراني وابتزاز رجال الادارة، والضرائب الاضافية الاخرى، هذه
كلها اصبحت عبئا اقتصاديا بلا شك على القبطي وتحدثنا المصادر القبطية عن زيادة
قيمة ضريبة الجوالى في عام 1734 ” كانت أيام شدة وحزن على كاهل الفقراء
وارباب الصناعة وان المباشرين الاقباط الاثرياء يشترون الفقراء من حبش الجوالى
ويخلصوهم ” أي انهم يسددون الضرائب عن فقراء الاقباط، الذين كانت الادارة
تلقى القبض عليهم حتى يسددوا الضرائب، مما يوضح ان المعاناة كانت تضايق الفقراء
اكثر من الشرائح الاجتماعية الاخرى من الاقباط، وتزداد المعاناة شدة في ايام الازمات
الاقتصادية وهى ايام المجاعات والغلاء والاوبئة الشديدة

 

تركات
الاقباط:

كانت
مواريث الاقباط في بداية العصر العثماني يخضع لاشراف الدولة استمرار لما كان متبعا
في عصر المماليك، الا انه ظهر في سنة 1525 قالون (عامه مصر) الذي اخضع كل رعايا
الدولة لتنظيم واحد، فإنه اذا مات مسلم او نصراني او يهودي، اخبر اهل الميت صاحب
بيت المال في الحال، فيسرع الى مكان الميت ويأخذ من تركه ما يعود الى بيت المال ان
وجد، ثم يصرح بدفنه بعد ذلك

 

القيود
على الاقباط:

فرض
على اهل الذمة في مصر الاسلامية العديد من القيود الشكلية، تبدو مظاهرها في القيود
المفروضة على الازياء، من حيث
إختيار اللون الازرق في
الغالب للمسيحيين، واللون الاصفر لليهود وكان يسمى بلبس (الغيار)، رأى الزي
المغاير لزي المسلمين، مع لبس الزنار، وهو حزام اقرب الى الحبل يشد به الوسط،
واختلاف لون عمامة المسلم عن المسيحي واليهودي، حيث كانت عمامة المسلم بيضاء
وعمامة المسيحي زرقاء، وعمامة اليهودي صفراء، واحيانا كان يقيد حق اهل الذمة في
اقتناء العبيد والجواري، كما حظر عليهم ركوب الخيل. ولان هذه الامور لم تكن مستحبة
من كلا الطرفين المسلمين والاقباط، فكثيرا ما كان يتجاوز عنها من جانب الادارة
الاسلامية، سواء بعدم الالتفات اليها، او غض الطرف عنها فى مقابل من المال كان
يدفع للادارة

وقد
ظهرت بعض التغيرات المرتبطة بهذه المظاهر في العصر العثماني، فحل اللون الاسود
كلون مميز لعمائم الاقباط، وترجع المصادر التاريخية حدوث ذلك الى عهد حكم حسن باشا
الخادم (1580 – 1582) تقريبا، لكن ذلك لم يستمر طويلا اذ سرعان ما عاد التغيير في
اللون عمامة الاقباط: على الا يزيد طول الشال على عشرة اذرع، حتى لا تكون للقبطي
عمامة كبيرة لان عظم حجم العمامة دلالة على عظم مركز صاحبها

ونادى
المحتسب في القاهرة في سنة 1677 بأوامر عديدة منها الزام النصارى بصبغ عمائمهم
باللون الاسود، ونادى بعض رجال الادارة في القاهرة عام 1732 باتخاذ الاقباط
للشيلان الزرقاء لعمائمهم، ولكن ذلك لم يستمر طويلا، إذ سرعان ما تحلت الادارة عن
معظم القيود التي فرضتها على الاقباط، ومنها لون العمامة، وذلك نتيجة توسط اعيان
الاقباط لدى الوالي العثماني، لا انه عموما لم يكن هناك خط موحد للون وشكل العمامة
حتى تذوب اوامر الوالي

وينطبق
الامر نفسه على الوان وانواع ازياء الاقباط، فأول اشارة عن قيود حول الازياء عن
الاقباط والوانها ترجع الى عام 1677 حيثما نادى المحتسب بمنع الاقباط من لبس الجوخ
والاصواف ولبس (الازار)، وهى الملاءة الفضفاضة التي تلبسها المرأة فوق ملابسها،
على الا تكون بيضاء وانما لون اخر يخالف لبس اللون الابيض وهو ما تلبس المرأة
المسلمة،

الا
انه رغم كل هذا فلم تكن الدولة متزمتة في تنفيذ هذا الا في الايام العصيبة أما
قيود ركوب الخيل على الاقباط فكان استمرار لما كان سائدا عليهم في العصر المملوكي
السابق على العصر العثماني، فكانوا يركبون البغال والحمير بالأكفأ عرضا أي من
ناحية واحدة، وفى العصر العثماني استمرت هذه القيود مفروضة على الاقباط، وكان
عليهم النزول اذا مروا على احد الوجهاء او امام بيت القاضي، وكانت نساء الاقباط
مستثناة من النزول.

 

دخول
الحمامات العامة:

من
القيود التي كانت مفروضة على الاقباط في العصر المملوكي حرمانهم من دخول الحمامات
العامة دون علامة في اعناقهم، وكانت هذه العلامة هي ” الصليب “

وفى
العصر العثماني صدر الامر في القاهرة عام 1677 بعدم دخول النصارى الحمامات العامة
الا بعد تعليق جلجلا واليهودي جلجلتن في عنقه،

 

الدولة
والكنيسة:

لم
تكن الدولة تتدخل في
إختيار الاب البطريرك الا اذا ادعت الفردرة ذلك وبناء
على طلب الاقباط انفسهم كما حدث في تولى البابا (متاؤس 102) او (بطرس 104)، وبينما
لم تتدخل الادارة تدخلا مباشرا في عملية
إختيار البابا
البطريرك، فانها تخلت عن ذلك احيانا بالتعرض للبابا القائم، بالعزل او بالسجن او
بترجيح كفة منافسيه

وكان
من اختصاص البابا سيامة الاساقفة والكهنة، فلم تكن الدولة تتدخل في هذا الانباء
على شكوى احد الاطراف لتعيد الحق الى نصابه، او قد تكون في جانب خصم دون اخر بناء
على ما يقدم هذا الخصم من الادلة

وقد
مرت الكنيسة في عهد الدولة العثمانية بلحظات صفاء، قدمت الادارة فيها للكنيسة
المساعدة المرجوة، مثل الاعتراف بحقوق البابا بطرس 104 في تطبيق تشريعات الكنيسة
القبطية الخاصة بالاحوال الشخصية للاقباط، واستعانة الكنيسة القبطية في عام 1738
بالادارة لموجهة المبشرين الكاثوليك ومحاولتهم كثلكة الاقباط، وكان الملاحظ ان ذلك
يرتبط باستقرار امور الحكومة او بمعرفة نجاح المساعى الحميدة لكبار المبشرين
الاقباط كعامل اتصال بين الحكومة والكنيسة.ولقد سارت العلاقة بين الكنيسة والحكومة
فى اواخر القرن الثامن عشر، لاسيما فى فترة الاضطراب التى صاحبت حملة حسن باشا على
مصر، ويده القوية التى بطشت بجميع المصريين حتى ان البابا القبطى انذاك (البابا
يوحنا 107) هرب من كرسيه، كما هرب جميع الاساقفة الاقباط، وخلع البابا والاساقفة
ملابسهم الكهنوتية، وتنكروا فى ثياب اخرى كى لا يعرفوا وقد تمنعت الكنيسة القبطية
بالاوقاف العديدة التى اوقعت على الكنائس والاديرة والتى شملت المبانى والحوانيت
والاراضى الزراعية وغيرها، وكانت السمة السائدة هى حفاظ السلاطين على هذه الاوقاف،
ولو ان حدث احيانا تعدى بعضهم على هذه الاوقاف

 

دور
الاقباط فى الادارة فى العصر العثمانى:

كان
من اهم الوظائف التى شغلها الاقباط هى وظيفة (المباشر) سواء فى الادارات الحكومية
مثل ديوان الروز تامة المختص بمالية البلاد او لدى الامراء، او حتى لدى (المعمار
باش) اى المختص بمراقبة الشئون المعمارية فى البلاد، كما عملوا مباشرين لدى بعض
(المتنفذين) من العناصر المحلة، ونقصد بهم قبائل الهوارة فى الصعيد مثل: يوحنا
المباشر النقاوى كاتب الامير ريان الهوارى، كما عمل لدى الشيخ همام الهوارى نفسه
بعض العمال الاقباط لجباية الضرائب.

 

لعب
الاقباط ايضا دورا هاما فى دار ضرب العملة (سك العملة) وفى ادارة الجمارك، وفى
ديوان الجوالى المختص بشئون الجزية، وديوان الحسبة والمحتسب، والذى تنبع وظيفته من
مفهوم اسلامى، الا اننا نجد قبطيا هو: برسوم النصرانى مباشر للحسبة، كما لعبوا
دورا هاما فى ادارة شئون المالية مثل: المعلم جرجس بن شنودة ايليا المباشر بخدمة
دولار أغا ناظر الدشيشة (اوقاف الغلال المخصصة للحرمين)، وعملوا فى الاوقاف
الاسلامية مثل: رزق بن عبد السيد الذى كان يقوم بجمع ايجار الاراضى الزراعية
التابعة لوقف السلطان قايتباى

وقد
تبع انتشار الاقباط هذه انتشارهم جغرافيا فى اماكن وجود هذه الادارات، على طول
البلاد وعرضها، فلم يكونوا ممركزين فقط فى القاهرة، وانما انتشروا فى مواقع
الموانى المصرية عندما عملوا فى الجمارك فنجد لهم تركزهم وكنائسهم فى الاسكندرية
ودمياط، واماكن دواوينهم فى جباية الضرائب سواء فى الدلتا او فى الصعيد

 

من
اهم الشخصيات الادارية القبطية:

لما
كان الاقباط يمثلون العصب الادارى فى العصر العثمانى نذكر منهم: يوحنا بن المصرى
مباشر الروز تامة وكان يشترك فى توزيع اجمالى الضرائب المقررة فى عام 1691 – 1692،
ويضيف عبد الرحمن الجبرتى فى كتابة عجائب الاثار ” المعلم واصف القبطى ”
بأنه ” احد الكتاب المباشرين المشهورين، ويعرف الايراد والمصاريف، وعنده نسخ
من دفاتر الروز تامة ويحفظ الكليات والجزئيات، ولا يخفى عن ذهنه شئ من ذلك “،
وعند نهاية القرن الثامن عشر يذكر ان المعلم ابراهيم الجوهرى رئيس الكتبة الاقباط
بمصر.. كان هو المشار اليه فى الكليات الجزئيات، حتى دفاتر الروز تامة والميرى
وجميع الايراد والتصرف وجميع الكتبة والصيارف من تحت يده “،

وكذلك
نجده فى ولاية الدقهلية عند اعداد حسابات الاموال المقررة والضرائب العامة يذكر
المعلم بشارة بن غبريال مع حاكم الولايات والشاهد ورجال الادارة المحلية

ومن
اهمية عمل الموظفين الاقباط ان اعتمد على دفاترهم واحصاءاتهم نابليون عندما رحل
بحملته وكتب عنها وصف مصر

ولقد
وصل الامر ببعض كبار المباشرين الاقباط ان استخدموا اختاما خاصة بهم، فألأخوان
الشهيران ابراهيم وجرجس جوهرى كانت لهما اختام تختم بها الاوراق الصادرة منهم،
وكانت علامة خاتم المعلم ابراهيم جوهرى هى (يا قاضى الحاجات وكافى مهمات ابراهيم
جوهرى) وكان خاتم اخيه جرجس جوهرى يقرا منه (عبده جرجس جوهرى)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار