اللاهوت المقارن

الفصل الرابع



الفصل الرابع

الفصل الرابع

الثقة وضمان الملكوت

40 الفصل
الرابع:

الثقة
وضمان الملكوت

الثقة
وضمان الملكوت

41 أ-
ثقة في الله غير محدودة

42 ب-
عدم ثقة بإرادتنا الخاصة

43 ج- هل
خلصت أم لم تخلُص؟!

44 د-
إيمان الكنيسة

45 أسس
الثقة وشروطها ثقة بولس ويقينه

46 1-
شرط راحة الضمير

47 2-
شرط الثبات في المسيح

48 3-
شرط المحبة الكاملة

49 الثقة
واليقين في رسائل يوحنا الرسول

50 1-
يقين بولس وإكليله

51 2-
الثقة بالدخول إلى الأقداس

52 3-
الاجتهاد والصبر لحظة الثقة

53 4-
الذي بدأ فيكم عملاً فهو يُكَمِّل

54 كلمة
ختامية في موضوع الثقة

 

40- الثقة وضمان
الملكوت

سؤالان يمران بالأذهان
الكثيرين:

1- ماهى حدود الرجاء في
مراحم الله؟

أ- ثقة في الله، غير
محدودة

ب- عدم ثقة بإرادتنا
الخاصة

ج – هل خلصت أم لم
تخلص؟

د – لتكن اجابتكم من
إيمان الكنيسة

2- هل يحق للمؤمن أن
يعتبر نفسه ضامنا للملكوت؟

فما هى الإجابة عنهما؟

 

41- ثقة في الله غير
محدودة

أتسأل: ما هى حدود
الرجاء في مراحم الله؟ في الواقع، ليس لهذا الرجاء حدود. فبمقدار ما تكون مراحم
الله، هكذا يكون الرجاء فيها.

 

ومادامت مراحم الله غير
محدودة، هكذا أيضاً الرجاء في مراحم الله غير محدود.

 

إن الرجاء هو احدى
الفضائل الثلاث الكبار (1 كو 13: 13).

 

وهو – ككل فضيلة – ينمو
في الإنسان حتى يصل إلى كماله النسبى فيه ولا يبلغ الرجاء كماله، إلا إذا خلا من
كل شك، وتثبيت بكل يقين.

 

وثقة الرجاء تاتى من
أمرين: أحداهما يتعلق بالله، والثانى بالإنسان نفسه. أما عن الرجاء – من جهة الله
– فهو يبنى على الإيمان بصفات الله، ومعاملاته السابقة، وكفارة دمه، وصدق مواعيده.

 

ومن صفات الله أنه غير
محدود فى رحمته وشفقته ومغفرته ومحبته، وأنه لا يسر بموت الخاطئ، بل بأن يرجع
ويحيا (حز 18: 23).

 

ومعاملات الله السابقة
تثبت لنا هذه الصفات.. وكفارة دمه غير محدودة، كافية لغفران خطايا العالم كله من
أول الدهور إلى آخرها. أما وعوده فهى كثيرة وصادقة تفتح أبواب الرجاء واسمه أما
التائبين.

 

هذه هى احدى زوايا
الرجاء. ومن ينظر منها إلى الأبدية، يشع أملاً.

 

أما الزواية الأخرى فهى
الإنسان ذاته. فهل نظرة الإنسان إلى ذاته يمكن أن تجلب الثقة بأنه ضامن للملكوت؟

 

42- عدم ثقة بإرادتنا
الخاصة

لست أميل إلى الترتيلة
التي تقول (إني واثق..) هى ترتيلة بروتستانتية بلا شك. وعلى الرغم من أن بعض
ألفاظها سليمة وصحيحة، إلا أنها – في مجموعة – تعطى تعليماً بروتستانتيا ًغير
سليم.

 

إن سألك أحد (هل أنت
واثق؟) فبماذا تجيب..؟

 

نعم، أنا واثق بدم
المسيح، ثقة لا حدود لها. ولكنى لا أثق بنفسى. لا أثق بحرية إرادتي، التي ربما
تميل إلى الشر. وبعدما بدأت بالروح، ربما أكمل بالجسد (غل 3: 3).

 

ولذلك فان الذين يفقدون
الخلاص، يفقدونه ليس بسبب أن الله عاجز عن أن يخلصهم، وإنما بسبب أن أرادتهم الحرة
قد انحرفت نحو الشر..

 

فهل يفقد الإنسان
الرجاء؟ كلا فهذا تطرف وقع فيه قايين – أول خاطئ من بنى آدم – حينما قال (ذنبى
أعظم من أن يحتمل) (تك 4: 13). وفى قطع الرجاء وقع يهوذا أيضاً، إذ مضى وخنق نفسه
(مت 27: 5).

 

وكما يخطئ الإنسان إذا
فقد الرجاء، يخطئ أيضاً إذا اعتمد على رجاء كاذب مبنى على بره الذاتى. ويخطئ كذلك
إذا كان في اعتماده على دم المسيح، ينسى اجتهاده واحتراسه، ولا يفعل ما يجعله
مستحقاً لفاعلية دم المسيح..

 

ويخطئ من يظن أنه لا
صلة له بالخطية على الإطلاق، وأنه قد تجدد وقد تقدس وأصبح في حياة أخرى لا يمكن
فيها أن يخطئ.

 

هذا أيضاً رجاء كاذب
ويختفى وراءه لون من البر الذاتى، سواء كان يدرى به صاحبه أو لا يدرى..

 

إننا نثق بدم المسيح،
ونثق بكفارته وفدائه. ولكننا – في داخل أنفسنا – نعترف بأننا خطاة، ونعترف بأنه ما
أسهل أن تضيعنا خطيئتنا..

 

إن الذي يقول (أنا ضامن
للملكوت) كأنه يقول: (أنا ضامن إنني سوف لا أخطئ. وإن أخطأت، فأنا ضامن إننى سوف
أتوب توبة صادقة مقبولة!! أو لعل مثل هذا يحتج على كلامى ويقول: كلا، سوف لا أتحدث
عن التوبة. وإنما إن أخطأت (فلنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح البار، وهو كفارة عن
خطايانا) (1 يو 2: 1، 2)

 

نعم، يا أخى. هو كفارة
عن خطايانا. ولكن هو أيضاً الذي قال (إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون) (لو 13:
3). هل تظن أنه سيشفع فيك دون أن تتوب؟! كلا، إن هذا وهم باطل. فاهتم بأبتديتك إذن
وتب.

 

وأعرف أن الذي لا يتوب،
سوف لا يشفع المسيح فيه. وإنما ينذره قائلاً: (احفظ وتب. فإني إن لم تسهر، أقدم
عليك كلص، ولا تعلم أية ساعة أقدم عليك) (رؤ 3: 3).

 

تواضع إذن يا أخى.
وأستمع إلى قول بولس الرسول منذراً (.. إذن من يظن أنه قائم، فلينظر أن لا يسقط)
(1 كو 10: 12).

 

إنك لست أقوى من الذين
سقطوا، بل ربما لم تصل إلى شئ من درجتهم بعد، قبل سقوطهم.

 

أنظر ماذا يقول بولس
الرسول وتمعن جيداً في الصفات التي يوردها. أنه يقول بولس الرسول، وتمعن جيداً في
الصفات التي يوردها. أنه يقول (لأن الذين استنيروا مرة، وذاقوا الموهبة السمائية،
وصاروا شركاء الروح القدس، وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتى، وسقطوا [
عب 6: 4 – 6 ].

 

يا للهول، ويا للخوف!!
هل وصلت يا من تضمن الملكوت إلى هذه الدرجات العالية التي كانت لأولئك؟! هل
استنرت، وصرت شريكاً للروح القدس، وذقت الموهبة السماوية وكلمة الله الصالحة وقوات
الدهر الآتى؟!

 

ومع ذلك فإن الذين
نالوا كل هذه المواهب قد سقطوا. ولم يسقطوا فقط بل هكلوا.

 

لأن الرسول يقول إنه
(لا يمكن تجديدهم أيضاً للتوبة) ويشبههم بأرض (مرفوضة وقريبة من اللعنة، التي
نهايتها للحرق) (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 6: 8).

 

43- هل خلصت أم لم
تخلُص؟!

قال لى أحد الشبان:
(بماذا أجيب إذن، إن سألنى شخص قائلاً (هل خلصت أم لم تخلص؟)..

أولا يجب أن تدرك أن من
يسألك هكذا ليس أرثوذكسياً خالصاً. لابد أن يكون بروتستانتى المذهب، أو على الأقل
بروتستانتياً في بيئته وثقافته.

 

لأن الذي يتجاهل
معموديتك، وما نلته من الأسرار المقدسة، ويلقى في نفسك الشك في إيمانك، ويدعوك من
الآن إلى الإيمان وإلى الخلاص، كما لو كنت وثنياً في حياتك السابقة!! مثل هذا، لا
يمكن أن يكون أرثوذكسياً، فلغته تظهره.

 

أما الإجابة على سؤاله
فهى: نعم، إننى خلصت في المعمودية من الخطية الأصلية، الخطية الجدية الموروثة. نلت
هذا الخلاص الأول بدم المسيح وفاعلية كفارته وفدائه. أما الخلاص النهائى، فنناله
بعد أن نخلع هذا الجسد. أننا ما نزال في حرب، (ومصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع..
أجناد الشر الروحية) (أف 6: 12). وسننال الخلاص عندما نغلب وننتصر في هذه الحرب..

 

وطالما نحن في الجسد،
لا نستطيع أن نقول أننا أنتصرنا وخلصنا. لذلك فالكنيسة المقدسة لا تعيد للقديسين
فى يوم ميلادهم الجسدى، ولا في يوم انضماهم إلى الكنيسة، وإنما في يوم نياحتهم، أو
استشادهم، عملا بقول الكتاب (انظروا إلى نهاية سيرتهم، فتملثوا بايمانهم) (عب 13:
7).

 

وهكذا في مجمع القديسين
في القداس الإلهى، نذكر نفوس جميع الأبرار الذين كملوا في الإيمان، أو اكتملت
حياتهم في الإيمان..

 

نذكر هنا قصة نياحة
القديس العظيم الأنبا مقاريوس الكبير الذي طاردت الشياطين روحه بعد خروجها من
الجسد، قائلين له (خلصت يا مقاره) وكيف لم يقل (نعم، بنعمة المسيح خلصت)

إلا بعد أن دخل
الفردوس.

 

44- إيمان الكنيسة

لتكن اجابتكم من إيمان
الكنيسة:

إن سئلتم سؤالاً
عقيدياً، فلا تجيبوا مطلقاً معتمدين على فكركم الخاص أو فهمكم الخاص. فقد قال
الكتاب (على فهمك لا تعتمد) (أم 3: 5).

 

أنت ابن الكنيسة
القبطية الأرثوذكسية، جاوب إذن بإيمان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. إيمانها كما
يظهر فى كتبها الكنسية المعترف بها، وكما يظهر في أقوال آبائها، وفى قوانينها
وتقاليدها.

 

وسأنتظر الآن إلى
كتابين هامين من كتب الكنيسة هما الخولاجى المقدس والأجبية، وأرى ماذا يعلماننا في
موضوعنا هذا..

 

إنك تصلى كل يوم في
صلاة الغروب وتقول (إذا كان البار بالجهد يخلص، فأين أظهر أنا الخاطئ). (أحسبنى يا
الله مع أصحاب الساعة الحادية عشرة، لأنى أفنيت عمرى في اللذات والشهوات، وقد مضى
منى العمر وفات). (لكل إثم بحرص ونشاط فعلت، ولكل خطية بشوق واجتهاد ارتكبت، ولكل
عذاب وحكم استوجبت).

 

هل في عبارة واحدة من
كل هذا، ما يدل على أنك قد خلصت وضمنت الملكوت وانتهى الأمر. أم هى صلوات من نفس
منسحقة معترفة بخطاياها، معترفة بأنها تستحق كل عقوبة، طالما الرحمة من الرب؟

 

بنفس هذا الانسحاق تقف
أمام الله في صلاة النوم وتقول (هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل مرعوب
ومرتعب من من أجل كثرة ذنوبى، لأن العمر المنقضى في الملاهى يستوجب الدينونة. لكن
توبى يا نفس مادمت في الجسد ساكنة..). وتوبخ نفسك قائلاً (إذا انكشفت أفعالك
الرديئة وشرورك القبيحة، أمام الديان العادل، فأي جواب تجيبى، وأنت على سرير
الخطايا منطرحة، وفى إخضاع الجسد متهاونة!؟)..

 

إنه انسحاق العشار
الواقف أمام الله في ذلة، وليست كبرياء الفريسى.. إننا لا نقف كأبرار قد تجدوا
وتقدسوا، ونالوا الخلاص، وضمنوا الملكوت إنما في كل صلاة نعترف باستحقاقنا
للدينونة ونطلب الخلاص..

 

وهكذا في صلاة (تفضل
يارب) فى صلاة النوم، يتضرع كل منا قائلاً: (أنا طلبت إلى الرب وقلت: أرحمنى وخلص
نفسى، فانى أخطأت إليك. ألتجأت يارب إليك، فخلصنى، وعلمنى أن أصنع مشيئتك).

 

وصلاة الساعة السادسة
نستهلها بقول المزمور (اللهم باسمك خلصنى) (مز 53: 1). ونقول فيها (مزق صك
خطايانا، أيها المسيح إلهنا ونجنا).

 

وهكذا تعلمك الكنيسة أن
تتضرع إلى الرب كل يوم أن يمزق صك لخطاياك، مختتماً هذه القطعة من الصلاة بقولك
(كلامى أقوله فيسمع صوتى، ويخلص نفسى بسلام)

 

إنك نلت خلاصاً في
المعمودية من خطيئتك الأصلية، ومات إنسانك العتيق، عندما مت مع المسيح ودفنت معه.
ولكنك مع ذلك، ما تزال تخطئ كل يوم. وإن قلت إنك تخطئ تضل نفسك ولا يكون الحق فيك
(1 يو 1: 8)

 

أنت تخطئ كل يوم، وأجرة
الخطية الموت. إذن فأنت تتعرض للموت كل يوم. وتحتاج في كل يوم إلى الخلاص. تحتاج
إلى دم المسيح يومياً ليطهرك من كل خطية. لذلك تحتاج باستمرار إلى أن تعترف
بخطاياك، وتتوب، وتتناول من جسد الرب ودمه الذي (يعطى عنا خلاصاً وغفراناً
للخطايا، وحياة أبدية لكل من يتناول منه) حسبما تعلمنا صلوات القداس الإلهى.

 

إنه خلاص يتجدد
باستمرار، تطلبه كل يوم، وتأخذه في كل توبة وفى كل تحليل يصليه الكاهن على رأسك،
وفى كل تناول من جسد الرب ودمه.

 

نرجع بعد هذه المقدمة
إلى موضوع الثقة وضمان الملكوت.

 

45- ثقة بولس ويقينه

الذين يتكلمون عن ضمان
الملكوت، يعتمدون أولا على قول بولس الرسول (فاذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى
الأقداس بدم المسيح..) (عب 10: 19). وكذلك قوله عن نفسه (لأننى عالم بمن آمنت،
وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعته إلى ذلك اليوم) (2تى 1: 12). وقوله أيضاً (وأخيراً
وضع لى اكليل البر) (2 تى 4: 8). وغير ذلك من النصوص المقدسة التي يعتمد عليها
الكثيرون قائلين أنهم يعيشون في (يقين بولس)!!

 

وسوف نتناول بنعمة الرب
كل تلك النصوص بالشرح والتعليق في الصفحات المقبلة إن شاء الله.

1- يقين بولس واكليله

2 – الثقة بالدخول إلى
الأقداس

3 – الاجتهاد والصبر،
لحفظ الثقة

4 – الذي بدأ فيكم
عملاً، فهو يكمل

 

غير إننا نود أن نفهم
أولاً على أى اساس تبنى هذه الثقة.

لذلك لسنا نجد – في
مقدمة موضوعنا هذا – خيراً من التوضيح الجميل الذي قدمه لنا معلمنا يوحنا الرسول،
عن شروط الثقة وأسبابها وأساسها.

فما هى الأسس التي تحدث
عنها يوحنا الرسول؟

 

46- شرط راحة الضمير

يقول القديس يوحنا
الرسول (أيها الأحباء، إن لم تلمنا قلوبنا فلنا ثقة من نحو الله) (1 يو 3: 21).

 

هنا شرط: إن لم تلمنا
قلوبنا.

أى إن كان ضميرنا لا
يلومنا أو لا يبكينا على شئ. إن كنا لا نخطئ في شئ يجعل قلوبنا تلومنا..

 

مصدر الثقة هنا إذن،
وأساسها الذى تبنى عليه، هو أن قلوبنا تكون راضية من جهة علاقتنا بالله، لا تلومنا
على شئ.

 

أما إذا لا متنا، فان
الثقة بالتالى تتزعزع بلا شك.

إذن تاتى الثقة من راحة
الضمير. وكيف تاتى راحة الضمير هذه؟

يوضح القديس يوحنا هذه
الفكرة فيقول:

(إن لم تلمنا قلوبنا
فلنا ثقة من نحو الله. ومهما سألنا ننال منه، لأننا نحفظ وصاياه، ونعمل الأعمال
المرضية أمامه (1 يو 3: 21، 22).

 

لقد اتضح إذن مصدر هذه
الثقة.

وهو اننا نحفظ وصايا
الله، ونعمل الأعمال المرضية أمامه.

هذا هو حجر الزواية في
التعليم طالما نحفظ وصايا الله ونعمل الأعمال المرضية أمامه، فان ضميرنا يكون
مستريحاً، ولا يوجد شئ تلومنا قلوبنا عليه، وحينئذ يكون لنا ثقة من نحو الله.

ماذا قال معلمنا يوحنا
الرسول أيضاً؟

 

47- شرط الثبات في
المسيح

يقول (والآن أيها
الأولاد، اثبتوا فيه. حتى إذا أظهر، يكون لنا ثقة، ولا نخجل منه في مجيئه. إن
علمتم أنه بار هو، فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه) (1 يو 2: 28، 29)

 

هنا شرط آخر للثقة، وهو
أن نكون ثابتين في المسيح. فان لم نثبت في المسيح، لا تكون لنا ثقة، ونخجل منه فى
مجيئه.. إنه تعليم واضح.

 

هل تقول إذن: أنا خلصت،
إنى واثق، أنا ضامن للملكوت!!

 

بينما ضميرك يوبخك على
سلوك معين، أو أنت غير ثابت في المسيح. حينئذ تكون في موقف من يخدع نفسه، أو من
يتكلم كلاما في الهواء.

 

أتريد أن تكون لك ثقة؟
اثبت فى المسيح. وإن أردت أن تعرف ما معنى الثبات فيه، تعال بنا نسأل الكتاب
ونسترشد به:

 

يقول بولس الرسول
(اثبتوا إذن في الحرية التي قد حررنا المسيح بها، ولا ترتبكوا أيضاً بنير عبودية)
(غل 5: 1). أى لا تسمح لآية خطية أن تسعبدك.

 

وماذا أيضاً في معنى
الثابت؟

يقول يوحنا الرسول
موضحاً (كل من يثبت فيه لا يخطئ. كل من يخطئ، لم يبصره ولا عرفه) (1 يو 3: 6)

 

إذن إن كنت تخطئ. فأنت
غير ثابت فيه. وإن كنت غير ثابت فيه، فلا تكون لك ثقة. وحينئذ تخجل منه في مجيئه.

 

ما أسهل إذن أن تقول
إنى واثق، أو تقول إنى ضامن للملكوت، دون أن تقدر ما يقوله الكتاب في شرح معنى هذه
الثقة، التي تتطلب منك أن لا تخطئ..

 

يؤكد يوحنا الرسول هذا
المعنى، فيقول في نفس رسالته:

 

(من يحفظ وصاياه يثبت
فيه، وهو فيه) (1 يو 3: 24). هذا هو الثبات المتبادل، يأتى عن طريق حفظ الوصايا.

 

ولكن إلى أية درجة يحفظ
الإنسان الوصايا؟ يجيب الرسول:

 

(من قال إنه ثابت فيه،
ينبغى أنه كما سلك ذاك يسلك هو أيضاً) (1 يو 2: 6).

 

من يجرؤ بعد هذا النص
الصريح أن يقول إنه ثابت في الرب؟! وإن كنا غير ثابتين، فكيف إذن تكون لنا ثقة،
ولا نخجل منه في مجيئه.

 

إذن بدلا من عبارة إنى
واثق، وإنى ضامن، يحسن بعد هذا كله، أن نقف مع العشار المنسحق، ليقرع كل منا قلبه
ويقول (ارحمنى يارب فانى خاطئ) (لو 18: 13).

 

تستطيع أن تقول إنك
واثق وإنك ضامن الملكوت، إن كنت على الدوام ثابتاً في المسيح، كما سلك هو تسلك أنت
أيضاً. أو على الأقل إن كنت على الدوام تحفظ وصاياه، وتفعل في كل حين ما يرضيه.
لأن الرسول يقول (وأما الذي يصنع مشيئة الله، فيثبت إلى الأبد) (1 يو 2: 17).
ويقول أيضاً (إن ثبت فيكم ما سمعتموه من البدء فأنتم أيضاً تثبتون في الابن وفى
الآب) (1 يو 2: 24).

 

ورب المجد نفسه يشرح
لنا أهمية الثبات فيه، فيقول (إن كان أحد لا يثبت فى، يطرح خارجاً كالغصن، فيجف
ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق) (يو 15: 6).

 

أتريد إذن أن تثبت فيه
كالغصن، وتسرى فيك عصارة الكرمة فلا تجف، ولا تلقى إلى النار فتحترق، اسمع الرب
يقول، (من يأكل جسدى ويشرب دمى، يثبت في وأنا فيه) (يو 6: 56). وماذا أيضاً يارب؟
يقول (ويحيا إلى الأبد) (يو 66: 58).

 

إذن فمن شروط الثقة:
راحة الضمير، والثبات في الرب، بكل ما يحمل هذان الشرطان من تفاصيل. فما هو الشرط
الثالث إذن؟ أنه:

 

48- شرط المحبة الكاملة

قال الرسول إنه من ضمن
شروط الثقة، أن تثبت الإنسان في الله، ولكى يثبت في الله، ينبغى أن يثشت في
المحبة، لأن الله محبة. وهكذا قال القديس يوحنا الحبيب (الله محبة. من يثبت فى
المحبة في الله، والله فيه (1 يو 4: 16).

 

فإن ثبت الإنسان في
محبة الله، وتكاملت محبته، حينئذ تكون له ثقة. ولهذا يتابع الرسول كلامه فيقول
(بهذا تكملت المحبة فينا، أن يكون لنا ثقة في يوم الدين) (1 يو 4: 17).

 

وكيف نثبت في محبة
الله؟ يقول الرب نفسه:

 

(إن حفظتم وصاياى،
تثبتون في محبتى، كما إنى أنا قد حفظت وصايا أبى وأثبت في محبته) (يو 15: 10). لكى
نصل إذن إلى المحبة الكاملة التى تجلب الثقة علينا بلا شك أن نكون كاملي في حفظ
وصاياه.

 

وطبيعى أننا إن وصلنا
إلى هذه الثقة كنتيجة للمحبة الكاملة، حينئذ لا نخاف بل نطمئن

 

ولهذا يتابع الرسول
كلامه فيقول (لا خوف في المحبة. بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج). (1 يو 4:
18).

 

فهل وصلت أيها الأخ إلى
المحبة الكاملة؟ هلى اصبحت تحب الرب من كل قلبك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك؟

 

وهل في محبتك لله أصبحت
تبغض العالم بكل ملاذه وشهواته وأمجاده، وتبغض حتى نفسك؟

 

إن كنت كذلك، وإن استمر
الحال بك كذلك، فطوباك. لك أن تثق، طالما أنت ثابت في هذه المحبة الكاملة.

 

49- الثقة واليقين في
رسائل يوحنا الرسول

إذن فالثقة كما يشرحها
معلمنا القديس يوحنا الرسول، لها شروط.

1- شرط راحة الضمير

2 – شرط الثبات في
المسيح

3 – شرط المحبة الكاملة

 

ومن شروطها أن يحفظ
الإنسان وصايا الله ويعمل كل حين ما يرضيه، حتى يرتاح بذلك ضميره، ولا يلومه قلبه
على شئ. ومن شروطها الثبات في المسيح، بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى. ومن شروطها
الوصول إلى. المحبة الكاملة من نحو الله، حتى تستطيع المحبة أن تطرح الخوف إلى
الخارج.

 

إن وصول الإنسان إلى
هذه الدرجات، تكون له الثقة الكاملة، ويصل إلى (يقين بولس) الذي يتغنون به، والذى
سنشرحه الآن.

 

صدقونى، إن كثيراً من
الذين يقولون إنهم واثقون وضامنون، تفكيرهم سطحى جداً، ولم يصلوا إلى الفهم
الحقيقى لمعنى هذه الثقة كما شرحها القديس يوحنا الرسول.

 

50- يقين بولس وإكليله

يقولون إنهم واثقين من
الخلاص لأن بولس الرسول قد قال (وأخيراً وضع لىأكليل البر) (2 تى 4: 8). وأيضاً
لأنه قال (لأننى عالم بما آمنت، وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعته إلى ذلك اليوم) (2
تى 1: 12).

 

أ – من قال هذا
الكلام؟:

أول شئ ينبغى أن نعرفه
هو: من قال هذه العبرات؟ لقد قالها بولس الرسول وهو من أكبر الرسل لا منازع، بولس
الذى قال (مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فى) (غلا 2: 20).

 

بولس الذي قال (فانى
متيقن أنه لا موت ولا حياة، ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات، ولا أمور حاضرة ولا
مستقبلة، ولا علو ولا عمق، ولا خليقة أخرى، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التى في
المسيح يسوع ربنا) (رو 8: 38، 39).

 

لقد قال هذا الكلام
بولس الذى اختطف إلى السماء الثالثة..

الذى أشفق الله عليه من
فرط الإعلانات (2 كو 12: 2، 7)..

 

فهل أيها الواثق تشبه
بولس الرسول فيما وصل إليه من سمو وروحانية ونعمة؟‍! لا يجوز مطلقاً أن تأخذ حالة
القديسين وتنسبها إلى نفسك (إن كان بولس موقنا، فليس معناه أنك كذلك.. ثم هناك
نقطة أخرى وهى:

 

ب – متى قال القديس
بولس هذا الكلام؟

قال مار بولس هذه
العبارات وهو في أواخر أيامه لذلك قال قبلها مباشرة (فانى أنا الآن أسكب سكيباً،
ووقت انحلالى قد حضر) (2 تى 4: 6). وقال هذا أيضا بعد أن جاهد الجهاد الحسن، وأكمل
السعى، وحفظ الإيمان) (2 تى 4: 7).

 

ولا مانع مطلقاً –
بالنسبة إلى إنسان بار قديس في أواخر أيامه – أن يعطيه الرب ثقة ورجاء، أو أن
يجعله يرى الاكليل الذي ينتظره،

كما كان بعض الشهداء
يرون أكاليلهم قبل سفك دمائهم من أجل المسيح.

ومع ذلك فلنفحص هاتين
العبارتين بالتدقيق، ونرى على أى شئ يدلان.

 

ج – (إنى موقن أنه
قادر):

يقول بولس الرسول أنه
موقن بأن الله قادر أن يحفظ وديعته، فماذا تعنى هذه العبارة؟ لا شك أن الله قادر
على أن يحفظ وديعة أى إنسان، ولكن ماذا عن الإنسان ذاته؟ في أى اتجاه تسير ارادته؟

 

إن الله قادر، وربما
أنت لا تريد.. الله قادر أن يحفظ وديعتك، وأنت وربما تلقيها بحرية إرادتك إلى
الجحيم..

 

ألم يقل (كم مرة أردت..
ولم تريدوا) (مت 23: 37).

 

إن قدرة الله أمر لا
يشك فيه أحد. ولكن قدرة الله لا تلغى حرية إرادتك. بالنسبة إلى مار بولس الرسول،
كانت حرية إرادته متفقة اتفاقاً كاملاً مع قدرة الله على حفظ وديعته. فهل أنت
كذلك؟!

 

نتناول بعد هذه العبارة
الأخرى التي قالها الرسول:

 

د – أخيراً وضع لى
أكليل البر):

قال بولس الرسول
(أخيراً قد وضع لى اكليل البر الذي يهبه لى في ذلك اليوم الرب الديان العادل). قال
إن الاكليل قد وضع، ولم يقل أنه قد أخذ الاكليل، فالكليل موضوع يأخذه البار في ذلك
اليوم.

 

وكم من أشخاص وضع لهم
هذا الاكليل وفقدوه0

 

لذلك ينذر الرب ملاك
كنيسة فلادلفيا،، قائلاً له (تمسك بما عندك، لئلا يأخذ أحد اكليك) (رؤ 3: 11)

 

ه – ماذا قال الرسول في
نفس رسالته؟:

إن بولس الرسول الذي
قال العبارات السابقة في رسالته الثانية إلى تيموثيئوس، قال أيضاً في نفس الرسالة
(صادقة هى الكلمة أنه إن كنا قد متنا معه، فسنحيا أيضا معه. إن كنا نصبر، فسنملك
أيضاً معه. إن كنا ننكره فهو أيضاً سينكرنا) (2 تى 2: 11، 12)

 

ففى قوله (إن كنا..)
دليل على أن الأمر في خلاصنا لا يتوقف على الله فقط، بل علينا نحن أيضاً. إن لله
عملاً في خلاص الإنسان كما أن للإنسان عملاً أيضاً. ولو كان الأمر هو عمل الله
وحده، لزالت بذلك حرية الإنسان.

 

كما نلاحظ أن عبارة (إن
كنا ننكره، فهو أيضاً سينكرنا) (دليل على أن الإنسان يمكن أن يفقد خلاصه.

 

51- الثقة بالدخول إلى
الأقداس

إن الذين يتحدثون عن
ضمان الملكوت يعتمدون على قول ماربولس الرسول (فاذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول
إلى الأقداس بدم يسوع.. لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان، مرشوشة قلوبنا من ضمير
شرير، ومغتسلة أجسادنا بماء نقى) (عب 10: 19 – 21).

 

إن هذا النص يتحدث عن
ثقة الدخول ويقين الإيمان، بشروط أساسية. فعبارة (مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير) تدل
على ضرورة النقاوة والتوبة (وعبارة (مغتسلة أجسادنا بماء نقى) تدل على ضرورة
المعمودية للخلاص.

 

فهل اكتفى القديس بولس
بكلامه هذا، وبهذين الشرطين فقط؟ كلا، إننا إن قرأنا باقى كلامه، نرى عكس ما يدعيه
هؤلاء الواثقون! يتابع الرسول كلامه فيقول (لنتمسك باقرار الرجاء راسخاً، لأن الذي
وعد هو أمين). ولنلاحظ بعضنا بعضاً للتحريض على المحبة والأعمال الصالحة.

 

فما لزوم أهمية المحبة
والأعمال الصالحة في موضوع الثقة هذا؟ إن القديس بولس يدلل بكلامه على أن الثقة في
(الدخول إلى الأقداس بدم يسوع) إنما تعتمد على أعمال الإنسان وسلوكه أيضاً – والا
تزعزعت هذه الثقة وانهارت انهيارً مريعاً.

 

ولذلك يتابع الرسول
كلامه محذراً ومنذراً: (فانه إن أخطأنا باختيارنا – بعدما أخذنا معرفة الحق لا
تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا، بل قبول دينونة مخيف، وغيرة نار عتيدة أن تأكل
المضادين) (عب 10: 26، 27) أين الثقة إذن، مع وجود هذه الدينونة المخيفة، إن
أخطأنا؟ الا يستلزم الأمر إذن غاية الاحتراس والحيطة، والسلوك في مخافة وانسحاق،
إن كنا نريد أن نتقدم إلى الأقداس في ثقة.

 

ذلك لأن الرسول الذي
تحدث الذى تحدث عن هذه الثقة بدم المسيح، نراه لا ينسى مطلقاً عدل الله.

 

بل يتابع كلامه قائلاً
(فاننا نعرف الذي قال لى الانتقام أنا أجازى يقول الرب. وأيضاً الرب يدين شعبه
مخيف هو الوقوع في يدى الله الحى) (عب 10: 30، 31)

 

إن هذا يذكرنا بما
نعرفه عن البرتوستانت من خطورة استخدامهم للآية الواحدة.

 

كان أجدر بهم في معالجة
هذا النص المقدس من أقوال مار بولس الرسول، أن لا يأخذوا الآية الأولى من الاصحاح
مكتفين بها، دون أن يتابعوا كلام الرسول حتى نهايته.

 

ليتهم فعلوا ذلك، إذن
لرأوه يقول أيضاً في موضوع الثقة:

 

(فلا تطرحوا ثقكتم التي
لها مجازاة عظيمة، لأنكم تحتاجون إلى الصبر، حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون
الموعد) (عب 10: 35، 36). حقاً (إن الذي وعد هو أمين)، ولكن نوال الموعد يتوقف على
صنع مشيئة الله، فاننا بلا شك، فاننا بلا شك لا ننال الموعد، ولا تكون لنا ثقة.

 

(فلا تطرحوا ثقتكم التي
لها مجازاة عظيمة، لأنكم تحتاجون إلى الصبر، حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون
الموعد) (عب 10: 35، 36).

 

حقاً (إن الذي وعد هو
أمين)، ولكن نوال الموعد يتوقف على صنع مشيئة الله، فاننا بلا شك لا ننال الموعد،
ولا تكون لنا ثقة.

 

ما معنى هذا؟ هل معناه
أن الله قد رجع في هباته التي هى بلا ندامة (رو 11: 39)؟ كلا، إن هبات الله هى
حقاً بلا ندامة، ولكن لها شروطاً. فاذا لم تنل هباته، لا يكون هو الذي رجع هباته،
وإنما تكون أنت الذي خالفت الشروط.

 

إن الله أمين في وعده
ولكنه قال لنا على فم رسوله بولس (إذا صنعتم مشيئة الله، تنالون لموعد) (عب 10:
36).

 

وواضح أن عمل مشيئة
الله يستغرق العمر كله. لذلك قال الرسول (لأنكم تحتاجون إلى الصبر). ومعنى هذا أن
نصبر العمر كله في مرضاة الله، حتى ننال موعده..

 

يظهر من كلام القديس
بولس الرسول في هذا الاصحاح إذن أن (الثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع) تحتاج
إلى أمور كثيرة: تحتاج إلى قلب صادق، وحياة توبة ونقاوة، وأجساد مغتسلة بماء
المعمودية النقى، كما تحتاج إلى التحريض على المحبة والأعمال الصالحة، وإلى صنع
مشيئة الله، والصبر على كل ذلك، والاحتراس من فعل الخطيئة، والا فان أخطأنا
باختيارنا، نتعرض لدينونة مخيفة، ومخيف هو الوقوع في يدى الله الحى.

 

52- الاجتهاد والصبر
لحظة الثقة

إن الصبر الذي تحدث عنه
بولس الرسول في قوله (فلا تطرحوا ثقتكم التي لها مجازاة عظيمة لأنكم تحتاجون إلى
الصبر، حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد) (عب 10،35، 36). يعود فيتحدث عنه
مرة أخرى قائلاً:

 

(.. لكننا نشتهى أن كل
واحد منكم يظهر هذا الاجتهاد عينه ليقين الرجاء إلى النهاية) (عب 6: 11). إذن
فيقين الرجاء يحتاج إلى اجتهاد يظهره الإنسان، حتى النهاية. وإلى ماذا أيضاً؟
يتابع الرسول كلامه فيقول (لكى لا تكونوا متباطئين، بل متمثلين بالذين بالإيمان
والأناة يرثون المواعيد) (عب 6: 12).

 

هنا نرى بولس قد أضاف
إلى الإيمان شيئاً آخر، هو الأناة أى الصبر، قال بهما ننال المواعيد..

 

ألم يقل الرب من قبل
(بصبركم اقتنوا أنفسكم) (لو 21: 19)؟ وقال أيضاً (من يصبر إلى إلى المنتهى فهذا
يخلص) (متى 24: 13).

 

اننا نلنا خلاصاً
بالايمان في المعمودية. ولكن هذا الخلاص تتضافر قوى كثيرة ضده لكيما تفقدنا أياه:
فضده إرادتنا الضيعفة التي تميل كثيراً إلى الشر، وعدونا الذي (يجول مثل أسد زائر
يلتمس من يبتلعه

 

هو) (1 بط 5: 8) وضد
خلاصنا أيضاً الخطية التي (طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء) (أم 7: 26).

 

ونحن محتاجون في كل ذلك
أن (نحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا) (عب 12: 1). ولذلك يقول الكتاب
(انظروا إلى نهاية سيرتهم..) (عب 13: 7).

 

53- الذي بدأ فيكم
عملاً فهو يُكَمِّل

إن الذين ينادون بالثقة
وضمان الملكوت، يعتمدون على قول القديس بولس إلى أهل فيلبى:

(واثقاً بهذا عينه، أن
الذى ابتدأ فيكم عملاً صالحاً، يكمل إلى يوم يسوع المسيح) (فى 1: 6)0

نعيد ما قلناه سابقا أن
الله قادر أن يمل فينا. ولكن ماذا عن موقفنا نحن؟!

إن الغلاطين الأغبياء
كان الله قد بدأ فيهم عملاً صالحاً ومع ذلك فأن بولس الرسول يقول لهم: (أهكذا أنتم
أغبياء، أبعدما ابتدأتم بالروح، تكملون الآن بالجسد) (غل 3: 3).

 

إنهم هنا هم الذين
سيكملون بالجسد ولا يتركون له فرصة أن يكمل فيهم عملاً صالحاً.

 

أما من جهة أهل فيلبي،
فمع ثقة بولس الرسول، نراه يصلى من أجلهم أن تزداد محبتهم، ويزدادوا في كل فهم،
لكى يكونوا (مخلصين وبلا عثرة إلى يوم المسيح مملوئين من ثمر البر) (فى 1: 9 – 11)

 

0 فمع أن المسيح قادر
أن يكمل، إلا أن عليهم هم عملاً، أن يكونوا بلا عثر حتى النهاية،

 

كما أوصاهم قائلاً
(عيشوا كما يحق لانجيل المسيح) (فى 1: 27).

 

وقال لهم أنه (قد وهب
لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضاً أن تتألموا لأجله.

 

إذ لكم الجهاد عينه
الذي رأيتموه في والآن تسمعون فى) (فى 1: 29، 30).

 

فما معنى هذا كله؟ وما
دام الله سيكمل ما بدأه فيهم، فما لزوم كل تلك النصائح:

 

أن يزداودا في المحبة
والفهم، وأن يكونوا بلا عثرة، مملوئين من ثمر البر، وأن يعيشوا كما يحق لانجيل
المسيح، وأن يتألموا لأجله، ويكون لهم نفس جهاد القديس بولس؟!

 

ذلك لأنه كما أن على
المسيح جانباً في خلاصهم، كذلك هم أيضاً عليهم جانب يجب أن يتمموه. لذلك قال لهم
(تمموا خلاصكم بخوف ورعدة) (فى 2: 12).

 

إن المسيح سوف لا يكمل
العمل وحده، وإنما سيكمله بهم وفيهم ومعهم. إن الله لا يأخذ الناس عنوة ويلقيهم في
الملكوت، وإنما لابد أن يعملوا معه.

 

لذلك نجد أن الرسالة
إلى فيلبى هى أكثر يقول فيها بولس الرسول أنه يسعى لكى يدرك (فى 3: 12، 14).

 

وقد شرح لهم بولس في
نفس الرسالة مثالاً من أولئك الذين بدأوا ولم يكملوا حسناً، فكانت نهايتهم الهلاك.

 

وأصبح الرسول يذكرهم
باكياً. وقد طلب منهم بولس الرسول أن يتمثلوا به في سعيه وجهاده ولا يتمثلوا
بأولئك الهالكين (فى 3: 17).

 

54- كلمة ختامية في
موضوع الثقة

ما أجمل قول سليمان
الحكيم في هذا المجال (الحكيم يخشى ويحيد عن الشر، والجاهل يتصلف ويثق) ((أم 14:
16).

 

لذلك فان معلمنا بولس
الرسول ينصح قائلاً (لا تستكبر بل خف) (رو 11: 20).

 

وقد نصح أهل فيلبي
قائلاً: تمموا خلاصكم بخوف ورعدة) (فى 3: 12).

 

ويضم بطرس الرسول صوته
إلى هذه النصيحة قائلاً (إن كنتم تدعون أباً الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل
واحد، فسيروا زمان غربتكم بخوف)) 1بط 1: 17).

 

ما دامت هناك ثقة،
وهناك يقين،وهناك ضمان للملكوت، فما معنى الخوف إذن والرعدة؟!

 

لماذا لا يعتمد الإنسان
على وعود الله، ولكننا لا نطمئن من جهة أنفسنا.

 

ولذلك مزج الرسول
الحديث عن المواعيد الالهية بالحديث عن المخافة، فقال (فاذ لنا هذه المواعيد أيها
الأحباء، لنطهر ذاوتنا من كل دنس الجسد والروح، مكملين القداسة في خوف الله) (2 كو
7: 1)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار