الارشاد الروحى

لنُسرع بالذهاب للمُخلِّص ونتوب الآن

يقول الرسول: [ هذا وإنكم عارفون الوقت أنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم فأن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا. قد تناهى الليل وتقارب النهار، فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور. لنسلك بلياقة كما في النهار لا بالبطر والسكر، لا بالمضاجع والعهر، لا بالخصام والحسد. بل البسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيراً (تخطيط) للجسد لأجل الشهوات ] (رومية 13: 11 – 14)
[ أطلبوا الرب مادام يوجد، أدعوه وهو قريب. ليترك الشرير طريقه، ورجل الإثم أفكاره، وليتُب إلى الرب فيرحمه، وإلى إلهنا، لأنه يكثر الغفران ] (إشعياء 55: 6 – 7)

لذلك الآن ينبغي أن نتحرك بالتوبة متجهين نحو المُخلِّص الحي والقريب منا جداً، وكلمة الآن تعني في التو حالاً أي في هذه اللحظة، لأن ما نملكه في حياتنا هو هذه اللحظة التي نعيشها الآن، لأن ما قبلها أصبح ماضي وعَبَرَ علينا وفات ولا نستطيع أن نستحضره ولو حتى فكرنا فيه، ولو ظللنا نندم على ضياعه فسنُضيع زماننا الذي نملكه الآن، أي هذه اللحظة التي هي الآن، ولو فكرنا في ما بعدها فهي مستقبل لا ندري ماذا سيحدث فيه أو ماذا ستكون ظروفنا، لذلك علينا أن نُسرع بقرار التوبة الآنولا نأجلها وننتظر فور انتهائنا من قراءة هذا الكلام، بل الآن نقوم بقلبنا ونرفع صلاتنا بإيمان ولو كان حبة خردل صغيرة وضعيفة، لأن هذه هي رحلة عودة الابن الضال لأبيه: [ “أقوم وأذهب إلى أبي” (لوقا 15: 18)… قال هذا بعد أن خارت قواه وسقط على الأرض (صريع الجوع والعُري) ورجع إلى نفسه (واستفاق من غفوته) وأحس بالهوة التي نزل إليها، ومدى الهلاك الذي تعرض لهُ، (فقد) رأى نفسه غائصاً في وحل الخطية، فصرخ بشدة حاثاً نفسه: “أقوم الآن وأذهب إلى أبي”. (فـ) من أين يأتيه هذا الرجاء وهذا اليقين، وهذه الثقة ؟:
فمن واقع ما يعرفه عن أبيه، كان يُناجي نفسه قائلاً: “لقد فقدت امتيازي كابن، أما هوَّ فلم يفقد شيئاً من امتيازه كأب. أنه لا يحتاج إلى إنسان آخر غريب يتوسل لأجلي لديه، إن محبة أبي الحانية هي التي تتوسط وتتوسل وتلح من أعماق القلب. إن أحشاءه الأبوية هي التي ستدفعهُ أن يتبنى من جديد ابنه بإصدار الصفح الكامل عنه. لقد ارتكبت كل مُنكر، ولكني سأذهب إلى أبي”
وأما الأب فلدى رؤيته لابنه، ستر في الحال وزره، ولما قام بدور القاضي غلبت عليه أبوته، فحكم على الفور بالبراءة، هذا لأنه يوَّد رجوع الابن لا إهلاكه… فوقع على عنقه واحتضنه (لوقا 15: 20)، وهاك كيف يقضي الأب وكيف يُصلح ويؤدب: أنه يعطي بدلاً من العقوبة قبلة.
أن قوة المحبة لا تُقيم وزناً للخطية، ولذلك فأن الأب بقبلة يعفو عن ذنب ابنه، وبعواطفه الأبوية يغمره. الأب لا يفضح ولده، ولا يُشهر بابنه، بل يُضمد جروحه تماماً، حتى لا تترك أثراً لأي غضن أو عيب: طوبى لمن غفرت زلته وسترت خطيئته (مزمور 32: 1).
فإذا كان الماضي المُشين لهذا الشاب يُثير فينا الاشمئزاز، وشروده يبعث فينا النفور، فلنحترس إذن ألا نبتعد عن مثل هذا الأب. إن مجرد رؤية هذا الأب تكفي لأن تجعلنا نفرّ (نهرب) من الخطية ونتجنب الإثم، ونجحد كل الشرّ وكل غواية.
ولكن إذا ما كنا قد ابتعدنا عن الأب، وإذا ما كنا قد بددنا كل ما منحهُ لنا من خير بعيشٍ مُسرف وحياة مُنحله، وإذا ما كان قد حدث لنا ان ارتكبنا إثماً أو منكراً، وإذا ما كنا قد سقطنا في هوة الكفر السحيقة والإفلاس (الروحي) المُطلق، فلنقم بعد هذا كله (مهما ما كانت حالتنا، أو حتى مقدار يأسنا من أنفسنا) ونرجع إلى مثل مَن كانت هذه أبوته، متشجعين بهذا المثل.

“وإذ كان لم يزل بعيداً، رآه ابوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقَبلهُ”؛ إني أتساءل: أي مكان هنا لليأس؟ أو أي مجال حتى للاعتذار، أو مظهر الخوف ؟، اللهمَّ إلا إذا كنا نعتقد أنه للانتقام وليس للترحيب والصفح أن يأتي الأب ويجتذب ابنه من يده، بل ويشده إليه إلى صدره ويطوقه بذراعيه. ولكن هذا الفكر المُضاد لخلاصنا والمنافي لواقع الحال يُصبح غير ذي بال، وبلا فحوى إذا رأينا ما يتبع ذلك: “فقال الأب لعبيده: أخرجوا عاجلاً الحُلة الأولى وألبسوه، واجعلوا خاتماً في يده، وحذاء في رجليه، وقدموا العجل المُسمن واذبحوه فنأكل ونفرح. لأن ابني هذا كان ميتاً فعاش، وكان ضالاً فوجِدَ” (لوقا 15: 22 – 24)
فبعد أن سمعنا هذا كله، أيُمكننا (الآن) أن نتباطأ في الرجوع إلى الآب (بالمسيح) ؟! ] (القديس بطرس كريسولوجوس أسقف رافانا بإيطاليا 406 – 450م)

ويقول القديس أمبروسيوس عن السرعة في التوبة: [ حسنة هي التوبة، فأن لم يكن لها مكان في قلبك فستخسر نعمة الغسل التي نُلتها في المعمودية منذ أمد بعيد، فأنه من الأفضل أن يكون لنا ثوب نُصلحه عن أن لا يكون لنا ثوب نرتديه، ولكن إذ أُعد لنا الثوب مرة فيجب أن يتجدد.. أننا لا نعرف في أية ساعة يأتي اللص، فنحن لا نعلم إذا ما كانت نفوسنا ستُطلب هذه الليلة منا؛ فلنُسرع بالتوبة لأنه ما أن سقط آدم حتى طرده الله من الفردوس، حتى لا يكون هناك وقت للمماطلة. لقد نُزع عن آدم وحواء ما كان يتمتعان به حتى يُقدما توبة سريعة ]

ويقول القديس باسيليوس الكبير في رسالة إلى راهب ساقط: [ أن كان لك بصيص من الرجاء في خلاصك. أن كان لك أدنى تفكير بخصوص الله، أو أقل رغبة في صنع الخير، إن كان لك أدنى خوف من العقوبات المحفوظة لغير التائبين، أستيقظ بلا تأخير. أرفع عينيك إلى السماء، عُد إلى حواسك، كُف عن شرك، انفض عنك الركود الذي اكتنفك، واصمد أمام العدو الذي طرحك أرضاً. جاهد أن تقوم من على الأرض. تذكر الراعي الصالح الذي يتبعك ويُنجيك…
أذكر مراحم الله، كيف يشفي (السامري الصالح) بزيت وخمر؛ لا تيأس من الخلاص، مسترجعاً إلى ذاكرتك ما ورد في الكتاب المقدس، أن الذي يسقط يقوم، والضال يعود (إرميا 8: 4)، والمجروح يُشفى، والفرسية تهرب (من الوحش)، ومن يعترف بخطية لا يُحتقر.
الرب لا يشاء موت الخاطي، بل بالحري أن يعود ويحيا (حزقيال 18: 32)، لا تستهتر فتكون كالشرير في هوة الشرّ (أمثال 18: 3). إنه الآن وقت لاحتمالك وطول الأناة (عليك) والشفاء والإصلاح.
هل عثرت؟ قُم؛ هل أخطأت؟ كُف عن الخطية. ولا تقف في طريق الخطاة (مزمور 1: 1) بل أهرب. عندما تندم وتتأوه تخلُّص، إذ يخرج من العمل صحة، ومن العرق خلاصاً. احذر لئلا من أجل رغبتك في الاحتفاظ بالتزامات مُعينه تكسر تعهدات الله التي اعترفت بها أمام شهود كثيرين (1تيموثاوس 6: 12)..
أنه وقت للخلاص. أنه زمن للإصلاح. كن منبسط الأسارير ولا تيأس. فأنها ليست شريعة لتدين الخاطي بلا رحمة، بل هي شريعة رحمة تزيل العقوبة وتنتظر الإصلاح. هوذا الأبواب لم تُغلق بعد، العريس يسمع ] [ في وقت مقبول سمعتك وفي يوم خلاص أعنتك، هوذا الآن وقت مقبول، هوذا الآن يوم خلاص ] (2كورنثوس 6: 2)

يقول القديس مقاريوس الكبير: [ فإذا كنت قد صرت عرشاً لله، وجلس فوقك الراكب السماوي، ونفسك كلها قد صارت عيناً روحانية، وصارت نفسك كلها نوراً، واذا كنت قد تغذيت بذلك الغذاء، غذاء الروح القدس، وان كنت قد سقيت من ماء الحياة، وان كنت قد لبست ملابس النور الذي لا يوصف، وثبت إنسانك الداخلي في اختبار هذه الأمور بملء الثقة واليقين، فانك بذلك تكون حياً، أنك تحيا الحياة الأبدية بالحقيقة، وان نفسك هي في الراحة مع الرب منذ الآن فصاعداً. أنظر فها أنت قد قبلت هذه الأشياء من الرب وامتلكتها بالحق، لكي ما تحيا الحياة الحقيقية.

ولكن إذا وعيت نفسك ووجدت أنه ليس عندك شيء من هذه الأشياء (التي سبق ذكرها) فحينئذ يلزم أن تبكي وتنوح وتحزن لأنك حتى الآن لم تجد الغنى السماوي الأبدي. لذلك ينبغي أن تتوجع بسبب فقرك المدقع، وتتضرع إلى الرب ليلاً ونهاراً لأنك قد سقطت في فقر الخطيئة المرعب.

يا ليت كل انسان يصير له إحساس سريع وتوجع بسبب فقره، ولا نسير في الحياة بلا مبالاة، مكتفين كأننا قد امتلأنا !، لأن الذي يحس بشدة فقره، ويأتي إلى الرب ويسأله بالصلاة باستمرار، فانه حالاً يحصل على الفداء والكنوز السماوية، كما قال الرب في ختام حديثه عن القاضي الظالم والأرملة ” أفلا ينصف الله الذين يصرخون إليه ليلاً ونهاراً، نعم أقول لكم انه ينصفهم سريعاً ” الذي له المجد والقوة إلى الأبد آمين ] (عظات القديس مقاريوس الكبير عظة 1: 12)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار