اللاهوت المقارن

الفصل السادس



الفصل السادس

الفصل السادس

أسئلة والرد عليها

80 1- هل
اختار الله أناساً معيّنين للخلاص؟

81 خلاص
مُقَدَّم للجميع

82 وضع
الله الاختيار في أدي الناس

83
الإرادة بيد الإنسان بشهادة الكتاب المقدس

84 الله
مستعد أن يرجع عن حكمه

85 كل
الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله، وليس للذين يحبهم الله

86 بحث
موضوع الاختيار السابق للمُخَلَّصين من الناحية اللاهوتية

87 2-
ماذا كان جهاد اللص اليمين حتى خلص؟

88 3-
كيف خلصوا بدون عماد؟

 

80- هل اختار الله
أناساً معيّنين للخلاص؟

أ- خلاص مقدم للجميع

ب – وضع الله الاختيار
في أيدى الناس

ج – نصوص كثيرة تدل على
أن الإرادة بيد الإنسان

د – الله مستعد أن يرجع
عن حكمه

ه – الرد على بعض
الاعتراضات

و – بحث الأمر من
الناحية اللاهوتية

 

81- خلاص مُقَدَّم
للجميع

يجيب الكتاب أجابة
واضحة عن هذا السؤال فيقول (لأن هذا حسن ومقبول لدى مخلصنا الله، الذي يريد ان
جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون) (1 تى 2: 4). إن الله يريد أن جميع
الناس يخلصون وليست مجموعة معينة منهم. محبة الله قد شملت العالم كله. ولذلك فهو
يقول (إنى أسر بموت الشرير، بل أن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا) _ حز 33: 11).

 

لهذا فانه في قضية الفداء
يقول الكتاب (هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكى لا يهلك كل من يؤمن
به بل تكون له الحياة الأبدية).

 

(يو 3: 16). هنا نرى أن
محبته عامة للجميع، للعالم كله. والخلاص مقدم بصفة عمومية لكل من يؤمن به فادياً
وليس لمجموعة معينة.

 

وهذا المعنى يكرره
أيضاً يوحنا الحبيب في الحديث عن ذبيحة المسيح الكفارية، اذ يقول (وهو كفارة
لخطايانا. ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً) (1 يو 2: 2). إذن فالسيد
المسيح قد قدم الخلاص للجميع، بذل نفسه عن الجميع. هو كفارة لخطايا العالم كله،
يريد أن الجميع يخلصون.

 

هذه العمومية شرحها
معلمنا بطرس الرسول فقال (بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه. بل في كل أمة
يتقيه ويصنع البر مقبولاً عنده.. هذا هو رب الكل) (أع 10: 34 – 36). ويشبه هذا
أيضاً ما قاله بطرس في يوم الخمسين (ويكون كل من يدعو باسم الرب يخلص).

 

إذن فالله يريد ان جميع
الناس يخلصون. فان لم يخلصوا جميعاً، فلا يمكن أن يرجع السبب إلى الله، وإنما إلى
الناس، لأنهم هم لم يريدوا لأنفسهم الخلاص وليس أن الله لم يرد لهم الخلاص.

 

82- وضع الله الاختيار
في أدي الناس

إن الله كصالح ومحب لا
يشاء أن يهلك خاطئ واحد، بل يريد لكل خاطئ أن يرجع ويحيا. ومع ذلك فقد وضع
الاختيار فى أيدى الناس، ترك الحرية لكل إنسان لكى يختار لنفسه. وفى ذلك يقول
السيد الرب للانسان:

 

(انظر. قد جعلت اليوم
أمامك الحياة والخير، والموت والشر..

أشهد عليكم السماء
والأرض.

قد جعلت قدامك الحياة
والموت، البركة واللعنة، فاختر الحياة لكى تحيا أنت ونسلك) (تث 15: 19)

ولو لم يكن الاختيار في
يد الإنسان، فلماذا إذن أرسل الله الرسل والأنبياء؟

ولماذا إذن وضع لنا
الوصايا وقدم الانذارات؟

لماذا عين الكهنة
والمعلمين؟

ما فائدة هذا كله لو
كان هنا أناس معينين للخلاص، وآخرون معينين للهلاك؟‍!

 

83- الإرادة بيد
الإنسان بشهادة الكتاب المقدس

كثير من وصايا الله
المقدسة تبدأ بعبارة (إن أراد أحد) أو (إن أردت) أو (إن سمع أحد لصوتى).. وأشباه
هذه من العبارات، مما يدل على أن الارادة في يد الإنسان، يختار لنفسه ما يشاء
ويحدد مصيره حسب عمله. وسنضرب أمثلة لكل هذا:

 

قال ربنا يسوع المسيح
(إن أراد أحد أن يأتى ورائى، فلينكر نفسه، ويحمل صليبه ويتبعنى. فان مَنْ أراد أن
يخلص نفسه يهلكها ومن يهلك نفسه من أجلى يجدها) (مت 16: 24، 25).

 

وقال للشاب الغنى (أن
أردت أن تدخل فأحفظ الوصايا أن أردت أن تكون كاملاً، فاذهب وبع أملاكك وأعط
الفقراء) (مت 19: 17، 21).

 

وقال في رسالته إلى
ملاك كنيسة لاودكيا (هاأنذا واقف على الباب وأقرع. أن سمع أحد صوتى وفتح الباب.
أدخل إليه وأتعشى معه وهو معى) (رؤ 3: 20). من جهة الله فانه واقف يقرع على الباب،
ومن جهة الإنسان فهو الإنسان فهو الذي يملك الاختيار: يفتح أو لا يفتح ونتيجة لهذا
يتحدد مصيره.

 

وكثيراً ما يريد الله،
ولا يريد الإنسان، يريد الله الخير للانسان، ولا يريد الإنسان الخير لنفسه، ويتركه
الله لحرية إرادته، يلقى مصيره حسبما يشاء.

 

مثال ذلك قول الرب في
بكائه على أورشليم (كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت
جناحيها، ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خراباً). مت 23: 37، 38). ومثال ذلك
أيضاً توبيخ الرب لليهود إذ قال لهم (ولا تريدون أن تأتوا إلى لتكون لكم حياة) (يو
5: 40).

 

ويدخل في هذا النطاق
أيضاً مثال العرس والمدعوين، إذ يقول الرب عن صاحب العرس (وأرسل عبيده ليدعوا
المدعوين إلى العرس، فلم يريدوا أن يأتوا) (مت 22: 3) إنهم مدعوين إلى العرس
وليسوا معدين للهلاك. الله يفتح لهم ملكوته، ولكنهم يرفضون أن يدخلوا. وفى مثال
العرس هذا نجد أن الدعوة تكررت أكثر من مرة ومن مرتين. وفى كل مرة يرسل الرب إلى
هؤلاء المدعويين عبيداً آخرين، ولكنهم لم يريدوا أن يأتوا. لذلك ختمت هذه المأسأة
بقول الرب لعبيده (أما العريس فمستعد، وأما المدعوون فلم يكونوا مستحقين) (مت 22: 8).

 

من أعمق الأمثلة على
مدى اهتمام الله بإرادة الإنسان في تقرير مصيره. أنا السيد المسيح له المجد يقول
للمريض قبل شفائه (أتريد أن تبرأ؟) (يو 5: 6) أن الطبيب العظيم مستعد أن يشفى،
ولكن مشكلة الذين يهلكون هى أنهم لا يريدون أن يبرأوا.

 

84- الله مستعد أن يرجع
عن حكمه

هل يوجد أوضح من هذا
دليلاً على عمق رغبة الله في الاهتمام بخلاصنا؟‍! لا مانع لدى الله في أن يرجع عن
حكمه أن رجع الإنسان عن شره وطلب لنفسه الخلاص.

 

(وإذا قلت للشرير موتا
تموت. فان رجع عن خطيئته وعمل بالعدل والحق.. وسلك في فرائض الحياة بلا عمل إثم،
فانه حياة يحيا. لا يموت. كل خطيئته التي أخطأ بها لا تذكر عليه. عمل بالعدل والحق،
فحياة يحيا) (حز 33: 14 – 16).

 

وهذا المعنى ذاته ذكره
الله أيضاً في سفر أرميا النبى، إذ قال (تارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالقلع
والهدم والاهلاك، فترجع تلك الأمة التي تكلمت عليها عن شرها، فأندم عن الشر الذى
قصدت أن أصنعه بها. وتارة أخرى أتكلم على أمة وعلى مملكة بالبناء والغرس. فتفعل
الشر في عينى فلا تسمع لصوتى، فأندم على الخير الذي قلت إنى أحسن إليها به) (أر 18:
7 – 10).

 

ولنا مثل عملى واضح في
قصة نينوى: لقد أصدر الله عليها حكماً. ولكن أهل نينوى تابوا بمناداة يونان. وهكذا
يقول الكتاب (فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة، ندم الله على
الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه) (يونان 3: 10).

 

إذن الأمر يتوقف على
الإنسان. ولذلك فان معلمنا يعقوب الرسول يقول (اقتربوا إلى الله فيقترب إليكم) (يع
4: 8). والله نفسه يقول في سفر ملاخى النبى (إرجعوا إلى أرجع إليكم) (ملا 3: 7).

 

85- كل الأشياء تعمل
معاً للخير للذين يحبون الله، وليس للذين يحبهم الله

الرد على بعض
الاعتراضات:

نبدأ أولا بقول بولس
الرسول فى الرسالة إلى رومية (ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين
يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده. لأن الذين سبق فعرفهم، سبق فعينهم، ليكونوا
مشابهين صورة ابنه..) (رو 8: 28 – 30) ونلاحظ في هذا النص ملاحظات هامة وأساسية:

 

نلاحظ أنه قال (كل
الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله) ولم يقل (للذين يحبهم) فالأمر متوقف
عليهم لا عليه.

 

وهذا ينطبق أيضاً على
قول بولس الرسول (بل كما هو مكتوب ما لم تره عين ولم تسمع به اذن ولم يخطر على بال
إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه) (1 كو 2: 9) ولم يقل أيضاً (للذين يحبهم) لأن
الأمر يتعلق في خلاصهم على ارادتهم هم.

 

ملاحظة ثانية، وهى أن
تعيين الله ليس مرجعه إلى اختيار الله وإنما إلى سبق معرفته. كما قال (الذين سبق
فعرفهم سبق فعينهم).

 

فالله بسبق معرفته،
وبادراكه لما سوف يحدث في مستقبل الزمان، عرف من هم الذين سوف يسلكون حسب مرضاته
بالبر والاستقامة بكامل اختيارهم. هؤلاء الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم.

 

هذا الكلام ينطبق أيضاً
على قصة يعقوب وعيسو.

 

(كما هو مكتوب أحببت
يعقوب وأبغضت عيسو) (رو 9: 13). فالله بسبق معرفته كان يعرف أن عيسو سيكون إنساناً
مستبيحاً، قاتلاً، يستهين بالبكورية ويبيعها بأكلة عدس. وكان يعرف أيضاً وداعة
يعقوب وحبه للخير.

 

فاحب الله في يعقوب ما
رآه فيه بسبق المعرفة، وأبغض في عيسو ما رأى أنه سيحدث منه بسبق المعرفة أيضاً.
ولكننا لا نستطيع مطلقاً أن نقول أن الله عين عيسو للهلاك، وعين يعقوب للخلاص،
بمعنى أنه كتب على عيسو الهلاك مهما كان اختياره!! واختار يعقوب للخلاص مهما كانت
أعماله!! حاشا لله أن يفعل هذا.

 

يأتى بعد ذلك قول
الكتاب (ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتنى هكذا. أم ليس للخزاف سلطان على
الطين أن يصنع من كتلة واحدة اناءاً للكرامة وآخر للهوان) (رو 9: 20، 21). نعم أن
للفخارى سلطاناً على الطين أن يصنع منه ما يشاء اناءاً للكرامة أو للهوان. وليس
للطينة أن تقول له (لماذا صنعتنى هكذا) ولكن الفخارى أيضاً حكيم وعادل.

 

ومن التفسيرات الجميلة
التي سمعتها عن هذا الموضوع أن الفخارى – مع كامل حريته وسلطانه – ينظر بحكمة إلى
قطعة الطين ويفحصها. فان رآها جيدة وناعمة ولينة وتصلح أن تكون اناءاً للكرامة، فانه
لابد سيجعلها اناءاً للكرامة.

 

من غير المعقول أن تقع
طينة رائعة في يد فخارى، فيصنع منها اناءاً للهوان. لأنه فخارى حكيم. أما إذا كانت
الطينة خشنة ورديئة، ولا تصلح أناءاً للكرامة، فان الفخارى مضطر – بما يناسب
حالتها – أن يصنع منها اناءاً للهوان.

 

فالأمر إذن وقبل كل شئ
يتوقف على حالة الطينة ومدى صلاحيتها مع اعترافنا بسلطان الفخارى وحريته.

 

إن الفخارى، على قدر
امكانه، يحاول أن يصنع من الطين الذي أمامه آنية للكرامة، على قدر ما يساعده الطين
على ذلك.

 

ولذلك قال الرب (هوذا
كالطين بيد الفخارى، أنتم هكذا بيدى يا بيت اسرائيل تارة أتكلم على أمة وعلى مملكة
بالقلع والهدم والاهلاك. فترجع تلك الأمة التي تكلمت عليها عن شرها، فأندم عن الشر
الذي قصدت أن أصنعه بها. وتارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالبناء والغرس فتفعل
الشر في عينى فلا تسمع لصوتى، فأندم على الخير الذي قلت إنى أحسن إليها به) (أر 18:
6 – 10).

 

يذكرنا هذا بمثل الزارع
الذي خرج ليزرع (مت 13: 3 – 8) الزارع هو نفس الزراع، والبذار هى نفس البذار. ولكن
حسب طبيعة الأرض التي سقطت عليها البذار، هكذا كانت نتيجتها في التلف او الأثمار.

 

إن الزارع لم يعد
بذاراً للجفاف أو الاحتراق أو لتختنق بالشوك أو ليأكلها الطير. ولكن طبيعة الأرض
هى التى تحكت في الأمر.

 

الإنسان حر إذن في
اختيار مصيره. (لأن من يزرع لجسده، فمن الجسد يحصد فساداً. ومن يزرع للروح، فمن
الروح يحصد حياة أبدية) (غلا 6: 8).

 

86- بحث موضوع الاختيار
السابق للمُخَلَّصين من الناحية اللاهوتية

إن مبدأ الأختيار هذا
فيه ظلم وفيه محاباة ولا يتفق مع عدل الله الذي (يجازى الإنسان حسب عمله) (2كو 5: 10).
فاذا كان الله يرحم من يرحم، ويترأف على من يترأف، ويترك الباقين للهلاك، فكيف
يتفق هذا مع عدل الله؟‍‍!

 

والذين عينهم الله
للهلاك، ما ذنبهم؟! الا يؤدى هذا إلى أن يقع الخطأة في اليأس، شاعرين بأنه لا
فائدة من جهادهم، ما داموا أوانى قد أعدت للهوان. أما الأبرار فأن هذا ولا شك
يدفعهم إلى التراخى والتهاون، شاعرين أنهم مخلصون مخلصون، جاهدوا أو لم يجاهدوا..!!

 

ثم ما معنى الثواب إذا
كان هناك أشخاص مكتوب عليهم الهلاك قبل أن يولدوا، وآخرون مكتوب لهم الخلاص قبل أن
يولدوا؟! فالمختارون إذن ما فضلهم حتى يثابوا؟ والأشرار ما ذنبهم حتى يعاقبوا؟

 

وما لزوم الوصية إذن،
إن كان مصير الإنسان محتماً أطاع الوصية أو لم يطعها! ثم ألا يتعارض مبدأ الاختيار
هذا مع إرادة الإنسان الحرة؟

 

وما جدوى الشيطان أيضاً
في اختبار إرادة الإنسان؟

 

ما جدوى تعبه في إغراء
المختارين وهم خالصون لا محالة مهما كانت إغراءته؟ وما جدوى تعبه في اسقاط غير
المختارين،، وهم هالكون حتى إن لم يحاربهم.

 

وما لزوم الكرازة
والتبشير وارعاية والتعليم، إن كان ذلك سوف لا يغير شيئاً مما كتب على الإنسان من
اختبار أو رذل؟

 

إن فكرة الاختيار هذه
توقع في بلبة، وتتنافى مع عدل الله، كما تتعارض أيضاً مع إرادة الإنسان الحرة

 

87- ماذا كان جهاد اللص
اليمين حتى خلص؟

إن الذين يدعون أن
الخلاص هو بالإيمان وحده، يتساءلون: أية أعمال صالحة قد عملها اللص اليمين، وأى
جهاد جاهده حتى خلص؟

 

ونحن نجيب بأن اللص عمل
أشياء كثيرة، أهمها:

أ – آمن اللص بالرب في
ظروف قاسية جداً:

مجرد إيمان اللص لم يكن
أمراً سهلا. لو أنه آمن بالرب، وهو يقيم الموتى، ويشفى المرضى، ويمشى على الماء،
وينتهر الريح، ويعمل المعجزات الخارقة، لقلنا أن تلك أمور واضحة لا تقبل الشك.
ولكنه آمن بالمسيح وهو مصلوب! آمن به وهو مهان ومحتقر من الناس، وأمام الكل فى
حالة ضعف! يلطمونه، ويبصقون على وجهه، ويستهزئزن به ويقولون له (تنبأ من لطمك)!

 

كانت المقاومات كثيرة
من كل ناحية أمام هذا الإيمان. ولو أن هذا اللص لم يؤمن لالتُمِس له الناس الأعذار.
فكيف يمكن أن يؤمن برجل مصلوب مهان أنه اله؟! لابد أن اللص كان محتاجاً إلى جهاد
كبير مع نفسه من الداخل إلى هذا الإيمان، مقاتلاً الشكوك الكثيرة التى تقف أمامه
وتكاد تلغى إيمانه..

 

كل من يقول إن اللص لم
يجاهد، يبدو أنه لم يتخيل ويتصور الموقف الذي أحاط باللص..

 

ذلك الموقف الذي أعثر
فيه غالبية الناس، حتى التلاميذ الذين قال لهم الرب (كلكم تشكون في هذه الليلة
لأنه مكتوب أضرب الراعى فتتبدد الخراف) (مر 14: 27). وفعلاً تبددت الرعية كلها! ولم
يستطع أن يقف إلى جوار الصليب الا المريمات ويوحنا الحبيب فقط.. وهذا اللص!

 

انشق حجاب الهيكل،
واظلمت الشمس، وتشققت الصخور فهل كان هذا كافياً للإيمان؟ إننا نعرف جيداً أنه على
الرغم من كل ذلك، لم يؤمن رؤساء الكهنة والكهنة والشيوخ والكتبة والفريسيون. كما لم
يؤمن اللص الآخر أيضاً.. إن إيمان اللص اليمين لم يكن امراً هيناً.

 

ب – اعترف بالرب
اعترافاً كاملاً:

إن عبارة (اذكرنى يارب
متى جئت في ملكوتك) (لو 23: 42). تحمل معانى كثيرة: فهو قد اعترف بالمسيح ملكوتاً،
وأنه آت إلى ملكوته، أى أن ليس للموت سلطان عليه. وآمن أيضاً بأن المسيح يمكنه أن
يدخله الملكوت، أى آمن بأن خلاصه سيكون على يد هذا المصلوب معه.

 

وكان لهذا اللص رجاء
كبير. فعلى الرغم من كل ما فعله في حياته من شرور بشعة، آمن أنه يمكن لمثله أن
يخلص وأن يدخل الملكوت، عن طريق المسيح.

ولم يكتف هذا اللص
بايمانه، وإنما اعترف بهذا الإيمان علانية، أمام الجميع، بلا خجل..

الأمر الذي لم يقدر
عليه بطرس الرسول وغالبية الرسل والتلاميذ.

إن اللص لم يعترف قط
بايمانه بالمسيح، وإنما:

 

ج – اعترف أيضاً
بخطاياه:

لم يكتف اللص بالاعتراف
بالإيمان، وإنما ملكته الغيرة المقدسة حينما سمع زميله يجدف على المسيح قائلاً (إن
كنت أنت المسيح فخلص نفسك وايانا (فأجابه اللص اليمين منتهراً (أو لا تخاف أنت
الله، إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه. أما نحن فبعدل (جوزينا) لأننا ننال استحقاق ما
فعلنا. وأما هذا فلم يفعل شيئاً ليس في محله) (لو 23: 39 – 41).

 

وهكذا اعترف اللص
بخطاياه، واعترف باستحقاقه للعقاب.

اعترف أنه إذ يموت
مصلوباً، إنما ينال استحقاق ما فعل. فكأنه لم يستعظم الحكم، وإنما قال (نحن بعدل
جوزينا).

 

وكان هذا اللص روحياً
في مسلكه: فبينما كان اللص الآخر يفكر في وسيلة للنجاة من الموت والصلب، قائلاً للمسيح
(خلص نفسك وإيانا)، كان هذا اللص المؤمن يفكر في الملكوت

 

ويتوسل إلى السيد من
أجل خلاصه الأبدى، لا من أجل أن ينقذه من موت الجسد. من جهة موت الجسد فقد رضى
اللص اليمين به عقاباً على خطاياه. ولكنه وجد هذه اللحظات لازمة له للتفكير في
أبديته. وانشغل ذهنه بالرب وملكوته، لذلك نراه أيضاً يدافع عن الرب.

 

د – دافع عن الرب:

وقف المسيح وحيداً
يدافع عنه أحد ممن تنعموا بنعمة ومعجزاته. لم يدافع عنه أحد من رسله ولا من
السائرين وراءه. وباستثناء أسماء قليلة، ارتفع صوت هذا اللص، يُخْجِل الآلاف من
ناكري الجميل قائلاً (وأما هذا فلم يفعل شيئاً ليس في محله).

 

دفاع عجيب من شخص
يستقبل الموت، دل به على أن البشرية ما تزال فيها بقية من خير. لذلك استحق أن يقول
له الرب (اليوم تكون معى في الفردوس).

 

أيسأل إذن ويقولون: ماذا
كان جهاد اللص وما الذي فعله؟ إننى أسألهم جميعاً سؤالاً آخر يسرنى أن أسمع
الإجابة عليه، وهو: ماذا كان بامكان هذا اللص أن يفعل أكثر من هذا ولم يفعله؟!

 

88- كيف خلصوا بدون
عماد؟

هناك بعض قديسين نالوا
اكليل الشهادة قبل أن ينالوا نعمة العماد.. كأن يكونوا قد استشهدوا وهم في صفوف
الموعوظين، بعد إيمانهم.. أو إنهم شهدوا عذابات بعض الشهداء وشجاعتهم في لقاء
الموت وما حدث لهؤلاء الشهداء من معجزات، فآمنوا واعلنوا إيمانهم، وقتلهم الولاة
قبل أن ينالوا نعمة العماد. وهنا يواجهنا سؤالا لاهوتي:

 

يسأل البعض: كيف خلص
هؤلاء الشهداء بدون عماد، وكيف خلص اللص اليمين بدون عماد أيضاً ما دامت المعمودية
لازمة للخلاص؟

 

الجواب: لقد شرحنا
سابقاً أن المعمودية في جوهرها هى موت مع المسيح. ولذلك قال بولس الرسول (اعتمدنا
لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت.. فإن كنا قد متنا مع المسيح، نؤمن أننا سنحيا
أيضاً معه) (رو 6: 3 – 8).

 

فما دامت المعمودية موتاً
مع المسيح، ولذلك قال بولس الرسول (اعتمدنا لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت..
فان كنا قد متنا مع المسيح، نؤمن أننا سنحيا أيضاً معه) (رو 6: 3 – 8).

 

فما دامت المعمودية
موتاً مع المسيح، فأننا نقول في صراحة ووضوح إن هذا اللص قد مات مع المسيح فعلاً..

 

كذلك الشهداء قد ماتوا
مع المسيح. اشتركوا معه في الموت. وفى سفك دمائهم. لذلك تسمى الكنيسة مثل هذا
الموت معمودية الدم. ولو أعطيت لهؤلاء فرصة من العمر، لتمموا معمودية الماء أيضاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار