علم الكتاب المقدس

المسيحيّون وإسرائيل



المسيحيّون وإسرائيل

المسيحيّون
وإسرائيل

تُطرح اليوم على بعض المسيحيّين مشكلة ضميريّة عن دولة إسرائيل
الحاليّة. إن بعض الحسّاسين جراء “محرقة هتلر” استعجلوا واعترفوا بهذه
الدولة. أمّا البعض الآخر – وهم العدد القليل – يرفضون الاعتراف بشرعيّة إسرائيل
لسببين:

 

لأنّهم يشعرون بالظّلم الذي يعيشه الشعب الفلسطيني المطرود من أرضه
بالعنف. ولدوافع متعلّقة بالثّقة بيسوع المسيح والشّهادة المتوجّبة له.

 

إنّ موضوع هذه الدراسة دقيق ويمكن أن يُثير الحساسيّة. لذلك، وقبل
معالجته، يجب الإشارة بأنّ المشكلة لن تُعالج بروح “معادية للسامية” بل
بروح العدالة الاجتماعية والدينية. نحن مع الخلاص الديني للجميع وفي أيّ مكان، حتى
في إسرائيل حيث نتمنّى لملايين الفلسطينيّين المنفيّين – مسلمين ومسيحيّين –
العودة إلى حيث السلطات الإسرائيليّة ترفض إعادتهم لأنّهم من غير يهود. أليس هذا
ما يسمّى بالعنصريّة!

 

لتوضيح المشكلة، علينا أن نطرح السّؤال الآتي: “ما هو الاعتراف
بدولة إسرائيل بالنسبة للمسيحي؟” أهو الاعتراف بالأمر الواقع، وهو وجود هذه
الدولة؟ أو القبول بشرعيّة هذا الوجود في فلسطين اليوم؟

 

بالنسبة لوجود إسرائيل كأمر واقع، فهو ظاهرة تاريخيّة لا يمكننا
نَفيِها لأنها كيان سياسي موجود في فلسطين منذ ١٩48 فقط وذلك جرّاء
اعتراف الأمم المتحدة، وهي مؤسّسة علمانيّة، بدولة إسرائيل.

 

لكن ماذا عن شرعيّة هذا التواجد الإسرائيلي في أرض فلسطين؟

 

نعطي مثلاً هنا: رجلٌ في حوزته شيئاً مغتصباً. نعترف أن هذا الشيء
بحوزته، لكن هل نستطيع أن نوافق على هذه الحال معترفين بشرعيّة هذه الحيازة دون أن
نرتكب ظلماً جسيماً؟

 

لذلك، فإن مشكلة الضمير المطروحة هي التالية: “هل يمكننا
الاعتراف بشرعيّة دولة إسرائيل في فلسطين؟”

 

عندما نتكلّم عن شرعيّة دولة، نلجأ إلى حق تاريخي في أرض ما. لكن في
حالة إسرائيل فقط، نلجأ إلى حقّ إنجيلي. سنتكلّم إذاً عن الشرعيّة التاريخيّة
والإنجيليّة لإسرائيل.

 

الشرعيّة التاريخيّة:

 

لا توجد أيّة حجّة تاريخيّة كافية لتُبرهن، في القرن العشرين، دولة
إسرائيليّة في فلسطين، كون فلسطين ملك للفلسطينيّين، كما إن ملكية أي دولة أخرى
تعود لمواطنيها. الملايين من الفلسطينيّين يطالبون بحقوقهم التّاريخيّة الشّرعيّة
في فلسطين. هذه الحقوق تعود إلى ما قبل الكتاب المقدس، وهذا الأخير يذكر فلسطين
والفلسطينيّين. إنّ حروب الفلسطينيّين ضدّ المجتاحين اليهود معروفة (1 صموئيل
٢٨).

 

قبل مجيء المسيح، حاول اليهود عدّة مرّات إنشاء دولة في فلسطين.
وأخذت هذه الدولة شكل مملكة حوالي العام ١٠٠٠ قبل المسيح.
لكن هذه المملكة تقسّمت، بعد أقلّ من قرن، إلى قسمين: مملكة الشمال في السامريّة،
وأخرى في الجنوب في يهوذا. الأولى دُمّرت في العام ٧٢٢ قبل
المسيح، أي 2٠٠ سنة تقريباً بعد نشوئها جرّاء الاجتياح الأشوريّ،
والثانية دُمرت في العام ٥٨٦ قبل المسيح، أيّ
٤٠٠ سنة تقريباً بعد نشوئها، ولقد دُمّرت على يد البابليّين
الذين نفوا اليهود إلى بابل.

 

في القرن الأول قبل المسيح، أُعيد إنشاء المملكة اليهوديّة تحت
الإمبراطوريّة الرومانيّة مع الملك هيرودوس الكبير في العام ٣٧ قبل
المسيح. لكن هذه المملكة دُمّرت من جديد على يد قوات تيتوس الرومانيّة في العام
٧٠ بعد المسيح. فهرب اليهود من فلسطين إلى زوايا العالم الأربعة. لكن
بقي الفلسطينيّون في فلسطين.

 

٢٠٠٠ سنة بعد ذلك، في العام
١٩٤٨، ظهرت مجدداً دولة إسرائيل في فلسطين، مطالبةً بحقوق
على هذا البلد على حساب الفلسطينيّين الذين لطالما عاشوا فيها. إنّ اليهود الّذين
تدفّقوا من زوايا العالم الأربعة إلى الأرض المقدسة، طردوا الفلسطينيّين بالعنف.
هؤلاء تركوا منازلهم بأوضاع مأساويّة ليعيشوا منفيّين في البلاد العربيّة تحت خيم
وفي أكواخ. إنّ الدول العظمى ساعدت اليهود للاستقرار في فلسطين، كما واعترفوا
بالدولة العبريّة بعد ربع ساعة على إعلانها في ١٤ أيار
١٩٤٨، وكأن فلسطين والفلسطينيين غير موجودون.

 

لكن البراهين التاريخيّة على وجودهم كثيرة. (في الكتاب المقدس: العدد
١٣، ٢١-٢٣؛ أدلّة اجتماعية، ثقافيّة،
فلكلوريّة وأثريّة: النقد الفلسطيني القديم والحالي الخ..).

علينا أن نستنتج أنّ الّذين يساندون إسرائيل يشعرون، في العموم،
بالذّنب تجاه اليهود، ولقد اختاروا بالتالي أن يُسكنوا اليهود في فلسطين.

لكن هل من العدالة إعطاء البعض ما هو مسلوبٌ من البعض الآخر؟ هل
يمكننا التصرّف بحقّ الغير؟ هل لفرنسيّ، إنجليزيّ أو أمريكيّ مثلاً، أن يتصرّف
بالأرض الفلسطينية الّتي هي ليست ملكه؟

 

سؤال: لماذا لم يقم الذين يريدون أن يرضوا ضميرهم بوضع اليهود في
وطنٍ، بإعطاء اليهود قسماً من أرضهم في أوروبا أو أميركا كونهم يستطيعون التصرّف
بما هو لهم؟

 

ماذا يجيب الناس في العموم عند ذكر الشّرعيّة التوراتيّة لدولة
إسرائيل: الإسرائيليّون لديهم حقّ توراتي على فلسطين، وفي أغلب الأحيان يأتي هذا
الجواب من قبل ناس يجهلون الكتاب تماماً. ها نحن، إذاً، ننتقل من الشرعيّة
التاريخيّة إلى الشرعيّة التوراتيّة.

 

وبالتالي، إن اليهود يطلبون منّا بصفتنا مسيحيين، الاعتراف بحقّ
توراتي على فلسطين. إنّ شعب يسوع المسيح مُطالبٌ اليوم بإعطاء شهادة لمصلحة الذين
ينكرون يسوع وذلك باسم الكتاب. تلك هي تجربة الوفاء التي تنبّأ بها المسيح لآخر
الأزمنة. الفاتيكان نفسه سقط في هذه التجربة.

 

إنّ اليهوديّة ليست عرق ولا أرض جغرافيّة، بل دين وُجد إنجازه الكامل
بيسوع المسيح. بالنسبة إلى المسيحيّ، إنّه أيضا من غير المعقول الاعتراف بدولة
يهوديّة لليهود كما ومن غير المعقول الاعتراف بدولة مسيحيّة للمسيحيّين.

 

الشّرعيّة الإنجيليّة:

 

الكثير من المسيحيّين يساندون دولة إسرائيل، مؤمنين عن حسن نيّة
بمساعدة “الشعب المختار” ليستقرّ في “أرضه الموعودة”. لذلك
تبيّن لنا أنه من المهم التذكير، على ضوء الكتاب المقدّس، بمفاهيم أرض الميعاد
والشّعب المختار.

 

أ- أرض الميعاد:

 

بحسب الإنجيل، إنّ فلسطين ليست أرض الميعاد لإسرائيليّي اليوم، وذلك
لسببين:

1- أرض الميعاد هي رمز عن حقيقة روحيّة.

2- وعد الله هو شرطي.

 

1- أرض الميعاد هي روحيّة:

 

وعد الله إبراهيم وسلالته بأرض. إنّ مفهوم أرض الميعاد هذه، كما
يريدها الله، تمّ تفسيره طوال القرون ومن قبل الكتاب، لتظهر أخيرا كحقيقة روحيّة
ولا جغرافيّة. لذلك قال القدّيس بولس: “بالإيمان، نزل في أرض الميعاد كأنه في
أرض غريبة، وأقام في الخيام مع إسحق ويعقوب شريكيه في الوعد ذاته، لأنّه كان ينتظر
المدينة الثابتة على أسس والله مهندسها وبناها” (العبرانيّين 11، 9).

 

إنّ روحيّة الأرض لها جذورها في العهد القديم. فسبط لاوي أيضاً لا
يملك أرضاً لأنّ الله نفسه هو حصة لاوي.

 بالفعل يقول الكتاب: “فأمّا سبط لاوي فما أعطي حصّة لأنّ
المحروقات التي كانت تقدّم للرّب إله إسرائيل كانت هي حصّتهم كما قال الرّب لموسى”
(يشوع 13، 14 و33).

 

من جهة أخرى، يقول المزمور 37 (36) أنّ الودعاء والصادقين سيرثون
الأرض، ولم يُقال أنّ جميع الإسرائيليّين في فلسطين هم ودعاء وصادقين. هذه الفضائل
يمكن أن تكون موجودة في كلّ مكان. أخيرا، شرح يسوع هذا الواقع قائلا أنّ
“ملكوت الله” ليس بكيانٍ مرئي لكنه موجود في قلب الإنسان. وللفريسيّين
الذين سألوه متى يجيء ملكوت الله، الّذي يعني لهم إمبراطوريّة صهيونيّة أبديّة،
أجاب يسوع:

“لا يجيء ملكوت الله بمشهدٍ من أحدٍ. ولا يقال: ها هو هنا، أو
ها هو هناك، لأنّ ملكوت الله هو فيكم” (لوقا ١٧،
٢٠-٢١)

 

إنّه موجود اليوم في قلب الصهيونيّة ذاتها، في قلوب الحاخامين الذين
يعتقدون بالبُعد الروحاني لأرض الميعاد.

حتّى أنّ تعليق الحاخام جوناثان ايبشوتز: “أنه مكتوب: وتسكنون
في الأرض التي أعطيتها لآبائكم، وتكونون لي شعباً وأكون لكم إلهاً” (حزقيال
36، 28). كان الله قد وعد إبراهيم بإعطائه أرض كنعان، لكن عندما ماتت سارة، لم يكن
لديه حتى أرض ليدفنها فيها. إذاً كيف تحقّق الوعد الإلهي؟ هناك أرضان تحملان اسم
إسرائيل: هناك أرض إسرائيل العُليا (السماويّة)، وهناك أرض إسرائيل السفلى
(الأرضيّة). الأرض المقدّسة هي الأرض السّماويّة حيث يوجد القصر الإلهي ومن حيث
تنبع ينابيع الشجاعة. تلك هي الأرض الروحيّة التي كان موعوداً بها أسلافنا والتي
أُعطيت لهم، وليست الأرض الماديّة. (“ملكوت الله وملكوت قيصر” بقلم
الحاخام عمانوئيل ليفين. دار نشر “لو ريفاي”، بيروت).

 

أمّا بالنسبة لسلالة إبراهيم، ورثة أرض الميعاد، فهي أيضاً مفهوم
روحي. فلا يجب على المسيحي أن يبحث عنهم في سلالة تاريخيّة وعرقيّة حيث ينتقل
الميراث من الوالد إلى ابنه، لكن بحسب الإيمان بمسيحيّة واختيار يسوع. بالفعل قال
القديس بولس: “فإذا كنتم للمسيح فأنتم، إذاً، نسل إبراهيم ولكم الميراث حسب
الوعد” (غلاطية 3، 19).

 

إذاً للمسيحي، كلّ يهوديّ يرفض الاعتراف بأنّ يسوع هو المسيح وينتظر
مسيحاً آخراً، لا يجب أن يُعتبر كوريث لإبراهيم، ولا كوريث لأرض الميعاد، أكانت
هذه الأرض روحيّة أم ماديّة.

 

2- وعد الله هو شرطيّ:

 

إن الله، وحتّى قبل مجيء يسوع المسيح، لم يعطِ الإرث لليهود لأنّه
وعد بالأرض تحت شرط الوفاء للعهد؛ هذا الشرط لم يتمّ احترامه، وقد فسخ اليهود
العهد. جراء ذلك، أعلن الله عهداً جديداً، العهد الذي أسّسه يسوع، والذي يرفضه
اليهود حتى اليوم.

 

أ- الشّرط:

 

لنفترض أنّ أرض الميعاد هي أرض جغرافيّة، لا يجب أن ننسى أن الوعد
أُعطى تحت شرط. وبالفعل، قال موسى لليهود: “وإن لم تحفظوا جميع أحكام هذه
الشريعة المكتوبة.. يرسل عليكم الرّب وعلى نسلكم ضربات عظيمة عجيبة وأمراض خبيثة
لا شفاء منها..”.

 

إنّ الأداة “إن” تُثبت أنّ الوعد شرطي. وقد أكمل موسى،
قائلاً: “فتبقون قلّةً بعدما كنتم كنجوم السّماء كثرةً، لأنّكم لم تسمعوا
كلام الرّب إلهكم،.. دمّركم وأزالكم عن الأرض..” (تثنية 28، 58-63).

 

من الواضح إذاً، أنّه في حال الخيانة، لن يطرد اليهود من الأرض فقط
بل سيُُنزل عقاب قاسٍ بهم وبنسلهم. تلك هي شروط العهد.

 

ب- العهد المفسوخ:

لم يحترم اليهود شروط العهد. يقول الكتاب بصراحة أنّهم خانوا الله
عابدين أصنام البلدان المجاورة، مقدّمين أولادهم ذبائح ومقلّدين عادات الوثنيّين
(مراجعة ١ ملوك 16، 30-34 / إرميا 7، 30-32). كما أنّ المزمور
١٠٦(١٠٥) وضع نتائج خيانات الشعب اليهودي.
“تمرّدوا على الرّب العليّ.. صنعوا عجلاً في حوريب.. تعلّقوا ببعلِ فغورَ
وأكلوا ذبائح الأصنام.. قدّموا بنيهم وبناتهم ذبيحةً لتلك الشياطين ذبحوهم لأصنام
كنعان”.

 

ولذلك أثار الله غضبه على إسرائيل متحدثاً عبر أنبيائه:

“اسمعوا يا رؤساء يعقوب يا قضاة بيت إسرائيل، يا من تمقتون
العدل وتعوّجون كلّ استقامة وتبنون صهيون بالماء، مدينة أورشليم بالجور. فرؤساؤها
يحكمون بالرشوة وكهنتها يعلّمون بالأجرة. أنبياؤها يتنبؤون بالفضّة ويعتمدون على
الرب قائلين: “الرب قائم في وسطنا فلا يحلّ بنا شرّ”. لذلك ستفلح صهيون
بسبب أعمالكم كحقلٍ فتصير أورشليم خرائب وجبل بيت الرب وعراً” (ميخا 3، 9-12).

 

وقال الله أيضا في كتاب أشعيا: “البنون الّذين ربّيتهم ورفعتهم
تمرّدوا عليّ. الثّور يعرف مقتنيه والحمار مَعلَفَ صاحبه، أمّا بنو إسرائيل فلا
يعرفون، شعبي لا يفهم شيئاً” (أشعيا 1، 2-4).

 

3- الفسخ والعهد الجديد:

بعد أن كشف الله خيانة إسرائيل، أعلن بواسطة نبيّه إرميا فسخ العهد
من قبل اليهود، وأعلن مجيء عهداً جديداً، لن يكون كالأول، بما أنّ حصّة المؤمن
ليست أرضا بل الله نفسه: “وستأتي أيّام أعاهد فيها بيت إسرائيل وبيت يهوذا
عهداً جديداً لا كالعهد الذي عاهدته آباءهم.. لأنّهم نقضوه مع أنّي عاملتهم
بالحسنى. أمّا العهد الجديد الذي أعاهد فيه بيت إسرائيل بعد تلك الأيّام، فهو هذا:
“أجعل شريعتي في ضمائرهم وأكتبها في قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي
شعباً” (إرميا ٣١، ٣١-٣٣).

 

إنّه واضح أنّ ذلك العهد يختلف عن العهد الأول “لأنّه لن يكون
مثله”. إحدى الفروقات تقوم على أنّ هذا العهد لا يعد بأيّة أرض جغرافيّة، بل
على العكس، إن الله هو الذي سيعطي نفسه لكلّ من يؤمن بيسوع، مؤسّس هذا العهد
الجديد.

 

إنّ اليهود يرفضون حتى الآن عهد المسيح لأنّه لا يعطيهم أيّة أرضٍ
جغرافيّةٍ، كما ولا يؤمّن لهم الحقّ في تأسيس الإمبراطوريّة الصّهيونيّة العالميّة
التي يحلمون بها.

 

ب- الشّعب المختار:

لم يكن أبداً الاختيار الإلهي واقعٌ على الشعب اليهوديّ كما يفكّر
الكثيرون، إنّ الله وقع اختياره على إنسان، إبراهيم السوري، وليس على أمّة يهوديّة
لم تكن موجودة قبل إبراهيم. إنّه خطأ إذاً أن نؤمن بأنّ اليهوديّة عرق، ولذلك إنّ
الكتاب يذكّر اليهود أنّ إبراهيم جدّهم هو آرامي أي سوري. يركّز موسى على هذه
النّقطة عندما يقول لليهود: “كان أبي آراميّاً تائهاً” (التثنية 26، 5).

 

إن هدف اختيار إبراهيم كان تشكيل بيئة اجتماعية لاستقبال المسيح. لذا
فالهدف ليس الشعب بل المسيح الذي “جاء إلى بيته فما قبله أهل بيته”.(يوحنّا
1، 11)

 

أمّا الّذين استقبلوا يسوع على أنه المسيح، دون النظر بأعراقهم،
“فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أبناء الله” (يوحنّا 1، 12) كما وأعطاهم
لتشكيل الشعب الكوني لله. استناداً على الكتاب فإنّ شعب الله هو شعب المسيح.

 

في ما مضى، قال يسوع لليهود: “ستموتون في خطاياكم. نعم، ستموتون
في خطاياكم، إذا كنتم لا تؤمنون أنّي أنا هو (المسيح)” وقال أيضاً: “لو
كان الله أباكم لأحببتموني..”. قال لهم أخيراً: “فأنتم أولاد أباكم
إبليس، وتريدون أن تتبعوا رغبات أبيكم”(يوحنّا 8، 24-44).

 

أمّا اليوم، فماذا يقول المسيحيون لليهود؟.. “أنتم أشقّاؤنا
البكر” كان قد قال لهم البابا يوحنّا الثّاني في مجمع روما. كيف يمكن لرسول
يسوع والذي ينكر أن يسوع هو المسيح أن يكونا إخوة؟

 

“إذا جاءكم أحد بغير هذا التعليم فلا تقبلوه عندكم ولا تقولوا
له: السلام عليك. من سلّم عليه شارك في      أعماله السّيئة” (٢ يوحنّا
10-11).

 

بالنسبة للمسيح، الذي نشهد له، إنّ اليهودي الحقيقي هو رسول يسوع.
ألم يقل يسوع لليهود في كتاب الرّؤيا: “أنّهم يزعمون أنّهم يهود وما هم بيهود،
بل هم مجمع للشيطان؟” (رؤيا 2،9 و3،9).

 

لذلك قال القدّيس بولس: “فإذا كنتم للمسيح فأنتم، إذاً، نَسلُ
إبراهيم ولكم الميراث حسب الوعد” (غلاطية 3، 29).

يدعو، إذاً، اليهود للإيمان بيسوع “ليُطعّمهم” على شعب
الله (رومة 11، 23).

 

إذاً، المسألة هنا ليست مسألة نبذ اليهود كأشخاص، بل إسرائيل كدولة.
بل، على العكس، إنّ اليهود مدعوّون للالتحاق بيسوع ليشكّلوا جزءاً من شعب الله.
تحثّنا المحبّة والحقيقة أن لا نتركهم يغرقوا في خطئهم وهو: ما زالوا يعتقدون أنهم
الشعب المختار الذي عاد إلى أرضه الموعودة.

 

يجب علينا أن نفهم أنّ اليهود، الذين ما زالوا ينكرون بأنّ يسوع هو
المسيح، يحملون الصفات الخاصة للمسيح الدّجال الذي تحدّث عنه القديس يوحنا: “فمن
هو الكذّاب إلاّ الّذي ينكر أنّ يسوع هو المسيح. هذا هو المسيح الدّجال الّذي ينكر
الآب والابن معاً” (1 يوحنا 2، 22).

 

المسيحيّون والمسلمون جميعهم يؤمنون أنّ يسوع هو المسيح. حتى إننا
نجد رسل يسوع في البوديّة والهندوسيّة. غالباً ما تكلّم غاندي عن إعجابه بيسوع كما
ولم يخفِ خيبة أمله بالمسيحيّن. وقد قال: “أعطوني يسوع، واحتفظوا
بالمسيحيّن”.

 

إنّ نبوءة يوحنّا عن المسيح الدّجال لا تنطبق على الّذين يعترفون بأن
يسوع هو المسيح، بل على الّذين ينكرون مسيحيّة يسوع. هذه الميزة تنطبق فقط على
اليهود الّذين يرفضون بوضوح المسيح وينتظرون مسيحاً آخراً. إنّهم المسيح الدّجال.

 

لا يجب أن نتفاجأ من أن اليهود الذين لا يؤمنوا بالمسيح ليسوا الشّعب
المختار. كان يسوع قد قال فيما خصّ ضابطاً رومانيّاً يُظهر إيماناً به: “أقول
لكم: كثيرون من النّاس سيجيئون من المشرق والمغرب ويجلسون إلى المائدة مع إبراهيم
وإسحق ويعقوب في ملكوت السّماوات. وأمّا من كان لهم الملكوت (إسرائيل)، فيُطرحون
خارجا في الظّلمة، وهناك البكاء وصريف الأسنان” (متّى 8، 11).

 

إنّ التناقض بين ملكوت الله وملكوت إسرائيل هو أساس النّزاع بين
المسيح واليهود. ظهر هذا التناقض بكلام المسيح، عندما فضح من كان لهم مملكة
إسرائيل وطرحهم خارجاً في الظّلمة (متّى 8، 11).

 

هكذا، مع عودة المسيح، تبدلّت نظرة الشّعب المختار وانتقلت من فكرة
قبليّة ومتطرّفة إلى فكرة شاملة. لذلك حكم يسوع على “من كان لهم ملكوت”
إسرائيل الذين كانوا يريدون أن يفهموا اليهوديّة على أنها قوميّة: “فأنتم
أولاد أبيكم إبليس، وتريدون أنّ تتبعوا رغبات أبيكم” (يوحنّا 8، 44). فأولاد
إبليس هؤلاء لا يستطيعوا أن يكونوا “الأخوة البكر” لأولاد يسوع.

 

لهذا السبب أيضاً كان يسوع يعارض دائماً أن يكون ملكاً لمملكة
صهيونيّة وقد قال: “ما مملكتي من هذا العالم..” (يوحنّا 18، 36).
(مراجعة نصّ “مأساة يسوع”).

 

إنّ الأنبياء كانوا قد وسّعوا سابقاً هذا الاختيار الإلهي ليشمل كلّ
الشعوب ومن جميع الأعراق. ألم يعلن أشعيا، ثمانية قرون قبل المسيح، الوحي الإلهي
التالي: “وسأجيء لأجمع شمل جميع الشّعوب والألسنة.. ومن هؤلاء اتّخذ كهنة
ولاويين” (إشعيا 66، 18-21). هكذا، فإنّ اختيار الكهنة من بين الأمم غير
اليهوديّة، كما يفعل المسيحيّون، هو دليل على صحّة الكهنوت الشامل ليسوع.

 

ماذا يجب أن نستنتج إذاً؟

القدّيس بولس يجيب: “فماذا بعد؟ ما كان يطالبه بنو إسرائيل ولا
ينالونه، ناله الّذين اختارهم الله”.(رومة 11، 7). وإنّ الّذين اختارهم الله
هم رُسل يسوع.

 

إسرائيل علامة الأزمنة:

 

بما أنّ اليهود المجتمعين اليوم في فلسطين من كلّ أنحاء العالم ليسوا
الشّعب المختار في أرضه الموعودة، ماذا يعني إذاً ظهور إسرائيل من جديد؟

 

إنّه علامة من علامات الأزمنة.

 

نتكلّم غالبا عن علامات الأزمنة دون تحديد هذه الأزمنة. هذه العبارة
تعني “نهاية الأزمنة”.

 

متحدثاً عن هذه الأزمنة، قال يسوع: “ويدوس الوثنيّون (اليهود)
أورشليم إلى أن يتم زمانهم” (لوقا 21، 24). لذا فإنّ إسرائيل تُجسّد الوثنيّة
من خلال رفضها للمسيح.

 

بعد عودة يسوع المسيح، إن الوثنيّون هم الّذين ينكرون أنّ يسوع هو
المسيح: إنّهم رمز الوثنيّة بشتّى ظواهرها، المسيح الدّجال بامتياز.

 

عندما مُنع الرسل عن التحدّث عن يسوع من قِبل اليهود، وبينما هم
يصلّون، قالوا لله: “نعم، تحالف في هذه المدينة هيرودس وبنطيّوس بيلاطس وبنو
إسرائيل والغرباء على فتاك القدّوس يسوع الّذي جعلتَهُ مسيحاً”.(أعمال 4، 27).

إنّ الكلمة “على فتاك” تظهر روح المسيح الدّجال الموجودة
في”شعوب (غوييم) إسرائيل”، “الشّعوب” تعني “وثنّيي
إسرائيل” (مراجعة نصّ “المسيح الدجال: الأمس واليوم”).

 

يريد اليهود أن يجعلوا العالم يعتقد أنّ عودتهم إلى فلسطين هي
“علامة كبيرة” وعجيبة تحقيق نبوءات العهد القديم. لكنّنا نعلم أنّ
النّبوءات المذكورة تتعلّق بعودة اليهود من المنفى البابلي في القرن السادس قبل
يسوع المسيح. فلا نجعل أحداً يخدعنا.

 

لأنه، بالأحرى، حان الوقت لفهم نبوءات العهد الجديد الّتي تحدّثنا عن
نهاية الوثنيّين. فنستطيع أن نفهم من هم إذا هؤلاء الوثنيّون. لقد قال لنا يسوع: “أنّ
نجاسة الخراب قائمة في المكان المقدّس” (متّى 24، 15). من ناحية أخرى، يكشف
كتاب الرّؤيا أيضا أنّ المسيح الدجّال سيجمع رجاله في الأماكن المقدّسة، في فلسطين،
وتحديداً في المدينة المحبوبة، أورشليم، حيث يجمعهم الشيطان وليس الله من زوايا
الأرض الأربع، أي جوج وماجوج، للقتال، وليس للسلام. (الرّؤيا 20، 7-9).

(مراجعة نصّ: “مفتاح كتاب الرّؤيا”).

 

موقف كلّ مسيحيّ حقيقيّ:

 

ماذا يجب أن يكون موقف كلّ مسيحيّ، متمسّك بيسوع المسيح، بخصوص دولة
إسرائيل؟

 

يجب التأمل وتنفيذ هذه الكلمات الّتي يوجّهها كتاب الرّؤيا إلى
الّذين ما زالوا يريدون أن يكونوا شهوداً للمسيح: “فيجب أن تتنبّأ ثانية على
كثير من الشّعوب والأمم والألسنة والملوك..” (الرّؤيا 10، 11)

 

إذا كان يطلب المسيح من رسله في هذه الأزمنة الرؤيويّة أن يتنبّأوا
“ثانية”، فلأن معظم هؤلاء تركوا أنفسهم ينجرّون وراء المسيح الدّجال
الّذي لم يعرفوه على حقيقته. فعوضاً عن فضحه، أقاموا معه علاقات جيّدة. لذا يأتي
كتاب الرّؤيا ليذكّرهم بواجبهم كرسل وشهود للمسيح، بعد أن حافظوا على صمتهم. هذا
الواجب يتمثّل اليوم، بالشهادة ثانيةً، ضدّ عدوّه: إسرائيل.

 

عندما أتى المسيح لم يتقبّله خاصّته. أما اليوم، “خاصّته”
يستقبلون ويتقبّلون المسيح الدجال..

 

لا يستطيع أي مسيحيّ الاعتراف بشرعيّة دولة يهوديّة في فلسطين دون أن
ينكر نفسه كمسيحيّ، لأنّه إذا اعترف بهذه الدولة يكون بذلك قد اعترف ضمنيّاً أنّ
تلاميذ يسوع ليسوا إسرائيل المتنبّأ بها وأنّ يسوع ليس المسيح. قال يسوع: “لا
أحد يستطيع أن يخدم سيّدين”؛ لا يمكننا أن نخدم ملكوت يسوع وملكوت إسرائيل في
آن معاً، ولا يمكننا أن نحتفظ بالشّهادة بأن يسوع هو المسيح دون فضح المسيحيّة
المزيّفة والخاطئة لإسرائيل. اليهود يعرفون ذلك والمسيحيّون يجهلونه.

 

في المادة مهمّة جدّا، إنّ الحياديّة أو الصّمت يعربان عن الفتور: “أنا
أعرف أعمالك، وأعرف أنّك لا بارد ولا حارّ، وليتك كنت باردا أو حارّا” يقول
الربّ في رؤيا 3، 15.

 

إذاً، يحب علينا أن نختار، وسنحاكم بحسب اختيارنا: لا يبقى المسيحي
وفيّاً لشهادته عبر الاعتراف بإسرائيل، بل بدعوة اليهود إلى الاعتراف بيسوع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار